الإثنين 28 يوليو 2025 10:34 مـ 3 صفر 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

كيف يعيد ”مسام” الحياة إلى اليمن؟

الإثنين 28 يوليو 2025 06:51 مـ 3 صفر 1447 هـ
هزاع البيل
هزاع البيل

في أعماق الصحراء بين أنقاض قرى هجرتها الحياة وفي الحقول التي اختلط ترابها بشظايا الموت يخطو رجال مشروع "مسام" بثبات وثقة حاملين على كفوفهم أرواحهم وعزيمة لا تعرف الانكسار، متقدة بأمل استعادة الحياة إلى أرض طالما لوثت بآثار الحرب، ليسوا جنودًا في معركة تقليدية، بل أبطال حرب صامتة عنوانها الإنسانية وسلاحهم الشجاعة والمعرفة والإصرار.

إن مشروع "مسام" السعودي لنزع الألغام في اليمن يمثل أكثر من مجرد مهمة متخصصة؛ فهو رسالة إنسانية سامية تهدف إلى إعادة رسم العلاقة بين الإنسان وأرضه، بين صمت الموت ووهج الأمل، وبين الخطر المستمر وفرص الحياة.

ففرق "مسام" لا تكتفي بإزالة الألغام فحسب، بل تفتح أبوابًا مغلقة أمام عودة السكان إلى منازلهم وحقولهم ومدارسهم مصدرة أمانًا استعادته الأرض والمجتمع.

تنطلق يوميات الفريق مع إشراقة الفجر حيث تُعد المعدات بدقة وتراجع الخرائط بعناية وتُحدد المواقع بدقة متناهية، قبل أن يشرعوا في رحلة محفوفة بالمخاطر نحو مناطق مجهولة. فالأرض التي يخطون عليها تخبئ في أعماقها تهديدات جسيمة، تحسب كل خطوة فيها بحذر بالغ، فالألغام المزروعة لا تفرق بين صغير أو كبير، مدني أو عسكري، بل تظل كامنة بلا رحمة، تنتظر اللحظة المناسبة لإحداث الضرر.

بعضها دفن في الطرقات، وبعضها وضع داخل المنازل، وحتى في ألعاب الأطفال، مما يزيد من حجم المخاطر التي تواجه الفريق في كل لحظة.

ولا تقتصر التحديات على الخطر المباشر فحسب، بل تتضاعف بوعورة المناطق المستهدفة ونقص البيانات الجغرافية الدقيقة، بالإضافة إلى لجوء بعض الأطراف إلى استخدام تقنيات تفجير متطورة تزيد من صعوبة الكشف والتفكيك، ومع ذلك لا تتراجع فرق "مسام"، إذ تدرك تمامًا أن إزالة كل لغم تمثل إنقاذ حياة، وإعادة بيت إلى أهله، وبعث روح جديدة في قرية كانت معلّقة بين الخوف والأمل.

إن أثر مشروع "مسام" لا يقاس فقط بعدد الألغام التي نزعت، بل بما يزرع مكانها من أمان وأمل، حين تعود الطفولة إلى ساحات اللعب والمزارع إلى حقولها والمياه إلى قراها يدرك الناس أن فريقًا ما في لحظة فاصلة خاطر بكل شيء من أجل أن يستعيدوا كل شيء.

بهذا، يخطّ "مسام" يوميًا فصلاً جديدًا في رواية الانتصار على الخوف، وزرع الحياة في أرض كانت تنطق بالموت.