صحفي يمني يُفجّر جدلاً حول تعامل ”الخطوط الجوية” بالدولار فقط: ”الدولة تُشجّع السوق السوداء”

أثار الصحفي اليمني ياسر اليافعي موجة واسعة من الجدل بعد كشفه عن واقعة صادمة في مكتب شركة الخطوط الجوية اليمنية بالعاصمة المؤقتة عدن، تُظهر تهميش العملة الوطنية (الريال اليمني) لصالح الدولار الأمريكي في عمليات البيع اليومية، ما يُعدّ انتهاكًا صريحًا للسياسات النقدية التي تُعلنها الحكومة والبنك المركزي.
وتفصيلاً، كشف اليافعي أن أحد المواطنين، أثناء محاولته شراء تذاكر سفر لأبنائه من مكتب "الخطوط الجوية اليمنية"، فوجئ برفض الموظفين قبول أي دفع بالريال اليمني، واشترطوا التعامل بالدولار الأمريكي فقط. وقد أثار هذا الموقف استغراب المواطن، خاصة أن الأمر يتعلق بشركة وطنية تُفترض فيها الالتزام بالسياسات الرسمية للدولة.
وأوضح اليافعي أن المواطن حاول الالتزام بالسعر الرسمي للدولار، كما يُعلن من قبل البنك المركزي اليمني، وذهب إلى عدد من محلات الصرافة للحصول على العملة الصعبة بالسعر المدعوم، لكنه واجه رفضًا جماعيًا من الصرافين الذين أصروا على بيع الدولار بأسعار السوق الموازية، التي تفوق السعر الرسمي بنسب كبيرة.
وبالتالي، لم يجد المواطن بُدًا من اللجوء إلى "السوق السوداء" لشراء الدولار، ليتمكن من إتمام معاملته في شركة طيران تُدار – شكليًا – من قبل الدولة، وهو ما يُعد، بحسب اليافعي، "تناقضًا صارخًا مع كل الجهود الحكومية الرسمية الرامية إلى ضبط سوق الصرف".
وأشار الصحفي إلى أن هذه الممارسات، وإن بدت فردية، فإنها تعكس سياسة ممنهجة في تهميش الريال اليمني داخل مؤسسات الدولة، ما يُضعف من مكانته، ويُشجع على المضاربة بالعملة الصعبة، ويُعزز من نشاط السوق الموازية التي تُعرف شعبيًا بـ"السوق السوداء".
وأكد اليافعي أن "استمرار مثل هذه الممارسات من قبل جهات حكومية أو شبه حكومية، مثل الخطوط الجوية اليمنية، يعني أن الدولة نفسها تُشارك في تقويض سعر صرف العملة الوطنية، وتشجع على تداول الدولار كعملة معيارية، حتى في المعاملات المحلية".
وفي مقارنة لافتة، أشار اليافعي إلى التجربة المصرية، التي استطاعت خلال السنوات الماضية ضبط سوق الصرف بعد دخول وديعة ضخمة بقيمة 36 مليار دولار من دولة الإمارات العربية المتحدة، مكّنت البنك المركزي المصري من ضخ سيولة كبيرة في السوق، ومواجهة الطلب المتزايد على الدولار، ما أدى إلى تقليص الفجوة بين السعر الرسمي والسعر الموازي.
واعتبر أن اليمن، على العكس، يفتقر إلى مثل هذه الإجراءات الاستراتيجية، بل إن مؤسسات الدولة تُفاقم الأزمة بسياستها التمييزية في التعامل بالعملات، مشددًا على أن "أي حديث عن استقرار سعر صرف الريال اليمني في ظل هذه المعطيات لن يكون سوى وهمٍ يُراد به التضليل".
ودعا اليافعي إلى إلزام جميع المؤسسات الحكومية والشركات الوطنية بالتعامل بالريال اليمني في جميع المعاملات الرسمية، محذرًا من أن استمرار تهميش العملة الوطنية سيُسرّع من انهيارها، ويفتح الباب أمام تضخم غير مسبوق، وزيادة معاناة المواطنين.
وأثارت تغريدات وتصريحات اليافعي ردود فعل واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انقسم المعلقون بين مؤيد يرى في هذه الممارسات دليلًا على فساد مؤسسي، ومنتقد يشكك في سياق الحادثة، لكن الغالبية العظمى أجمعوا على أن تهميش الريال اليمني بات ظاهرة متفشية، تهدد الاستقرار الاقتصادي للبلاد.
ويأتي هذا التصعيد في ظل تدهور متواصل في قيمة الريال أمام الدولار، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد في السوق الموازية 1800 ريال في بعض المناطق، بينما يُعلن البنك المركزي سعرًا رسميًا يتراوح حول 1400 ريال، ما يعكس فجوة كبيرة تُغذي السوق السوداء وتُضعف الثقة في المؤسسات الرسمية.
ويبقى السؤال المطروح: متى ستبدأ الدولة باتخاذ خطوات حاسمة لحماية عملتها الوطنية، أم أن استمرار التناقضات في السياسات سيُبقي الاقتصاد اليمني رهينة السوق الموازية؟