الثلاثاء 12 أغسطس 2025 04:19 مـ 18 صفر 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

صحفي يكشف تلاعبًا واسعًا في أسعار الأدوية: 1200 صفحة من التزوير تستهدف هيئة الأدوية

الثلاثاء 12 أغسطس 2025 05:02 مـ 18 صفر 1447 هـ
الادوية في اليمن-تعبيرية-
الادوية في اليمن-تعبيرية-

كشف الصحفي المخضرم فتحي بن لزرق، عن ما وصفه بـ"أكبر عملية خداع منظمة" نفذتها وكالات تجارية متخصصة في استيراد وتوزيع الأدوية، استهدفت من خلالها الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية في العاصمة عدن، وذلك في أعقاب تحسن نسبي في سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.

وأوضح بن لزرق، في تقرير استقصائي موسّع، أن عددًا من مالكي الوكالات التجارية قدموا إلى الهيئة ملفًا ضخمًا يتكوّن من نحو 1200 صفحة، يتضمن قوائم تسعيرية وهمية لأكثر من 3000 صنف دوائي، تم فيها التلاعب بالأسعار بشكل ممنهج، بحيث تُدرج الأدوية بأسعار أعلى بكثير من قيمتها الفعلية في السوق المحلية.

وأشار إلى أن هذه الخطوة جاءت في ظل سعي الهيئة لضبط السوق الدوائي وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، حيث تم الترويج لما يُسمى بـ"تخفيضات كبيرة" في أسعار الأدوية، بينما في الواقع، كانت الأسعار الفعلية قد ارتفعت بشكل ملحوظ بعد هذه التسويات.

وأعطى بن لزرق مثالًا صارخًا على عملية التلاعب، من خلال تحليل سعر دواء شائع لعلاج الحمى، كان يُباع في الصيدليات بسعر 3000 ريال يمني، عند سعر صرف 750 ريال للريال السعودي. إلا أن الوكالة التجارية أدرجته في قائمتها المقدمة للهيئة بسعر 4700 ريال، ثم تم الاتفاق على "تخفيضه" إلى 3500 ريال، ما يعني ارتفاعه الفعلي بنسبة 16.6%، رغم أن الهيئة أعلنت عن هذا الاتفاق كإنجاز في خفض الأسعار.

وأكد الصحفي أن هذه الحيلة تكررت مع عشرات الأدوية الأساسية، حيث استغلت الوكالات التحسن النسبي في سعر الصرف لتضخيم الأسعار افتراضيًا، ثم تُقدّمها للهيئة كأساس للتفاوض، مما أوهم الجهات الرقابية بأن هناك تخفيضات حقيقية، بينما تبقى الأسعار في السوق أعلى من مستوياتها السابقة.

وأضاف بن لزرق أن الأمر تجاوز التلاعب بالتسعير، ليصل إلى درجة من السخرية، حيث تضمنت القوائم المقدمة "تسعيرات لعقاقير لم تعد تُستورد إلى اليمن منذ أكثر من 15 عامًا"، ما يُشير إلى أن الملف المقدم كان مُعدًا بشكل مسبق وبعيدًا عن الواقع، ويهدف إلى خداع الجهات الرقابية وإضفاء شرعية على ارتفاعات سعرية غير مبررة.

ووصف بن لزرق ما جرى بأنه "جريمة مكتملة الأركان"، تضمّنت تزويرًا في المستندات، والتلاعب بالأسعار، وخداعًا للرأي العام، واستغلالًا لضعف الرقابة، مؤكدًا أن هذه الممارسات تُفاقم معاناة المواطنين في ظل انهيار اقتصادي وصحي مزمن.

ودعا الصحفي وزارة الصحة العامة والسكان، ورئاسة مجلس الوزراء، إلى التدخل الفوري وفتح تحقيق عاجل ومستقل في هذه القضية، مؤكدًا أن صمت الجهات المعنية يُعد تواطؤًا غير مباشر مع هذه الممارسات.

وفي تهديد صريح، أوضح بن لزرق أنه سيتقدم بدعوى قضائية ضد الهيئة العليا للأدوية نفسها، إذا ما استمرت في التغاضي عن هذه التجاوزات، معتبرًا أن تقصيرها في الرقابة والتحقق من القوائم المقدمة يجعلها شريكًا في هذه الفضيحة.

وطالب بن لزرق بإنشاء لجنة فنية مستقلة لمراجعة جميع القوائم السعرية، وربط التسعير بآليات شفافة تعتمد على مسوحات سوق حقيقية، وفرض رقابة صارمة على الوكالات التجارية، مع محاسبة كل من تورط في هذه العملية.

وتأتي هذه الكشفية في وقت تشهد فيه مناطق جنوب اليمن تذمرًا واسعًا من ارتفاع جنوني في أسعار الأدوية، بالتزامن مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، ما يجعل الكشف عن هذه الفضيحة بمثابة صدمة جديدة للقطاع الصحي، ودعوة ملحة لإعادة هيكلة منظومة الرقابة الدوائية في البلاد.

الهيئة العليا للأدوية في عدن تُعتبر الجهة الرسمية المسؤولة عن تنظيم استيراد وتوزيع الأدوية في مناطق الجنوب، وتُعنى بضبط الأسعار ومراقبة الجودة، إلا أن تقارير متكررة تُشير إلى ضعف أدائها وافتقارها إلى الكوادر الفنية والآلية الرقابية الفعالة، ما يُسهّل استغلالها من قبل جهات تجارية نافذة.