ثمن التوازن والإنصاف

من يبحث عن التوازن في زمن الاضطرابات، يصطدم حتمًا بكل المتطرفين، كمن يمشي على حبل مشدود بين جرفين يهددان بالسقوط. إنه يرفض الغلو الذي يغرق فيه اليمين المتشدد، ويبتعد عن الانهيار الذي يجرّ إليه اليسار المتطرف، فلا ينتمي إلى قطيع ينبح ولا إلى حشد يعوي. ومع ذلك، فإن معركة الإنصاف، تلك الرغبة في العدل المتوازن، ثمنها باهظ. إنها تحول كل المتصارعين إلى أعداء، لأنك ترفض عصبوياتهم كلها – رفضًا جذريًا يجعلهم يشعرون بالتهديد. يصبحون يتهمونك بالخيانة، يستهدفونك بالإقصاء والتشويه، يرسمونك كخارجي عن الجماعة، كمن يتخلى عن الجماعة ليحمل شعلة الضمير الفردي. حين ترفض البقاء مع القطيع، يصبح الاتهام سلاحهم الأول، والاستهداف درعهم الثاني، فيتحالفون ضدك ليحافظوا على وحدتهم المسمومة.
ورغم كل هذا الثمن الذي ينزف الروح، أنا مصرٌّ على المضي قدمًا، بوعي وطني حادّ، ورؤية جمهورية صلبة، منطلقها ثورة ٢٦ سبتمبر – تلك الشرارة التي أطاحت بالاستبداد الكهنوتي، وأسست لدولة الحرية والمواطنة والمساواة، رافضًا كل عصبيات القبيلة والطائفة، وحالة الاستلاب التي تُغيّب العقول وتُسقطها في غيبوبة الولاءات العمياء. لن أدع جرّ الناس إلى الهاوية يُقنعني بالسكوت؛ فالطريق الجمهوري هو السبيل الوحيد لإنقاذ الأمة من الانهيار، وأنا سأمضي فيه، ولو كنت وحدي، لأن التوازن ليس رفاهية، بل واجب الشجاعة في مرحلة يراد للجميع أن يكونوا في مأزق الانحيازات
216.73.216.105