اليمن يُدفن ثقافته... ومذيع شهير يكشف: ”لا أحد يحبّ هذا البلد، كل من يستطيع الفرار يفرّ!”

أثار المذيع اليمني المعروف وديع منصور جدلاً واسعاً على منصة "إكس" (Twitter) بعد تغريدة نارية انتقد فيها واقع الإعلام والثقافة والسياحة في اليمن، وتساءل بحدّة عن جدوى استمرار وجود وزارة متخصصة في هذه المجالات، في ظل هيمنة المال السياسي وتجاهل المواهب الحقيقية.
216.73.216.105
وقال منصور في تغريدته:
"ما الفائدة من وجود وزارة للإعلام والثقافة والسياحة في بلد يُوظف فيه المال السياسي الكلمة والرأي؟ لا قيمة فيه للأدباء، بل للسماسرة، ومعظم أبنائه يبحثون عن الفرار منه في أقرب فرصة ممكنة."
وأضاف منصور — الذي يُعد من أبرز الوجوه الإعلامية التي حافظت على مصداقيتها عبر عقود من العمل في قنوات محلية ودولية — أن هذا الواقع ليس مجرد إهمال مؤسسي، بل هو "جريمة ثقافية منظمة" تُمارس بعلم ووعي من قبل الأطراف السياسية والاقتصادية المتحكمة بالموارد.
وأشار إلى أن وزارة الإعلام والثقافة والسياحة — التي كانت في الماضي مرجعاً لدعم الإنتاج الأدبي والفكري والسينمائي — أصبحت اليوم "واجهة رمزية" تُستخدم لترميز الانتماء السياسي أكثر مما تخدم أي هدف ثقافي أو تعليمي. فالمناصب العليا فيها، بحسب منصور، تُمنح للولاءات وليس للخبرات، والمشاريع الثقافية تُمول فقط إذا كانت تخدم خطاباً سياسياً معيناً، أو تُستخدم كأداة للترويج لشخصيات غير مبدعة لكنها مرتبطة بقوى النفوذ.
وأكد منصور أن التبعات الاجتماعية لهذا التدهور لم تعد محدودة بالقطاع الثقافي فحسب، بل امتدت لتشمل جيلًا كاملًا من الشباب الموهوب، الذين يرون في التعبير الحر والعمل الإبداعي طريقاً مسدوداً. "الأدباء يُهمَلون، والمثقفون يُستبعدون، والفنانون يُضطرون للهجرة أو الصمت. الساحة الإعلامية لم تعد فضاءً للحوار، بل ساحةً للتسويات والصفقات"، قال.
وأشار إلى أن هذا المناخ الطارد للمواهب دفع آلاف الشباب اليمنيين — خاصة من خريجي كليات الإعلام والآداب والفنون — إلى الهروب من البلاد بحثاً عن فرص عمل في الخارج، أو الانتقال إلى مجالات أخرى لا علاقة لها بالإبداع، مثل التجارة أو العمل الإنساني، فقط ليجدوا ملجأً من "الانتحار الثقافي".
وأضاف: "حين تتحول الثقافة إلى سلعة سياسية، وتُستبدل الكتابة بالمساومة، والشعر بالولاء، والصحافة بالدعاية... فليس هناك ما يُسمى 'وزارة للثقافة'، بل وزارة لإدارة الخراب".
وشهدت تغريدة منصور تفاعلاً كبيراً، حيث شاركها الآلاف، وعلّق عليها عشرات المثقفين والأكاديميين والفنانين اليمنيين، كثير منهم تحدثوا عن تجارب شخصية مع التهميش، أو فقدان فرص التمويل بسبب "عدم الانتماء للطرف الحاكم". كما عبّر عدد من الطلاب الجامعيين عن إحباطهم من نظام تعليمي وثقافي لا يرى فيهم مستقبلاً، بل مجرد "أدوات ترويجية".
في المقابل، لم تصدر أي ردود رسمية من وزارة الإعلام والثقافة والسياحة حتى الآن، فيما اعتبر مراقبون أن الصمت الرسمي هو في حد ذاته إقرار ضمني بصدق الاتهامات.
ويأتي هذا التصريح في وقت تشهد فيه اليمن أزمة ثقافية عميقة، إذ توقفت معظم المهرجانات الأدبية، وأغلقت دور النشر، وانهارت البنية التحتية للسينما والمسرح، بينما تهيمن على المشهد الإعلامي القنوات الموالية لأطراف النزاع، والتي تقدم محتوى يخلو من التنوع أو النقد أو حتى التوثيق الموضوعي.
وفي ختام تحليله، حذر وديع منصور من أن "البلد الذي يقتل ثقافته، لا يُبنى له مستقبل"، مضيفاً: "إن كان اليمن يسعى حقاً للنجاة، فليبدأ بتحرير الكلمة من قيود المال السياسي، وإعادة بناء الثقافة كأساس للهوية، لا كأداة للسيطرة".