الإثنين 15 سبتمبر 2025 12:19 مـ 23 ربيع أول 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

التنظيم الهاشمي: البعد الدولي العابر للحدود والمذاهب

الإثنين 15 سبتمبر 2025 01:29 مـ 23 ربيع أول 1447 هـ
التنظيم الهاشمي:  البعد الدولي العابر للحدود والمذاهب

قد يكون مصطلح الهاشمية السياسية بعيدًا عن التناول في الأوساط الثقافية والسياسية العربية لفترة قريبة، إلا أن طبيعة الصراع الأخير في اليمن والتداعيات التي أعقبت نجاح ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م مكّنت العديد من الباحثين والمهتمين من كشف الحقائق التاريخية والسياسية للهاشمية كمكون فكري سياسي سري ذي امتدادات دولية تتجاوز حدود الدولة الوطنية في العديد من البلدان.

تاريخيًا لم تعبّر الأسر الهاشمية عن ذاتها كطائفة دينية أو عرقية بعينها تعيش في حيز مكاني محدد يمكن التعامل معها والوقوف عند تأثيرها وأدوارها وحقوقها، إلا أن علاقة النسب التي تجمع الأسر الهاشمية على اختلاف أماكن تواجدها تعد رابطة وهوية انتماء سلالية جامعة تتوحد في قناعاتها العقائدية والفكرية، وتتغذى على نظرة استعلائية للذات الهاشمية المزعومة، وترى أن مجرد الانتماء إليها شرف يستدعي من المجتمعات التي تسكنها هذه الأسر منحها امتيازات خاصة تعتبرها حقًا من حقوقها المشروعة.

إن أخطر ما يجمع الأسر الهاشمية والأفراد المنتسبين إليها أنهم لم ينخرطوا في المجتمع كطائفة بعينها ولا كمذهب بعينه، فلم تتشكل لهم هوية سياسية أو دينية جامعة ظاهرة إلا هوية الانتساب الهاشمي العابر للحدود.

وهذا ما مكنهم من الانتشار والتغلغل وسط المذاهب الإسلامية المتعددة، فنجد منهم الهاشمي السني والهاشمي الشيعي الإمامي والهاشمي الزيدي والهاشمي الصوفي والهاشمي الإسماعيلي.

والحال نفسه ينطبق على الوجود والتأثير الهاشمي في الأحزاب والتيارات السياسية، فنجد الهاشمي الماركسي والهاشمي البعثي والناصري والاشتراكي، والهاشمي الملحد الذي ينكر وجود الخالق لكنه يؤمن بقداسة نسبه العلوي الفاطمي، ومنهم من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب السياسية العلمانية والليبرالية، وحتى انخراطهم وقيادتهم للتنظيمات الإرهابية كتنظيم داعش والقاعدة.

تتوزع الهاشمية السياسية بين كل الفئات والمذاهب وتختلط بكل الثقافات والتجارب، ولكنها تظل رغم اختلافها التنظيمي والمذهبي تحمل عقيدة سلالية واحدة ترتكز على قداسة وشرف الانتماء السلالي.

وتبحث لها دائمًا عن مكانة خاصة تميزها عن غيرها في الواجبات والحقوق. وإذا كانت الأسر الهاشمية قد تخلت ظاهريًا عن دعواها في الحكم، إلا أن قناعتها الباطنية تفرض عليها الحفاظ على الفكرة، وما تخليها عنها إلا من باب التقية والتكتيك الظرفي تحت ضغط سلطة الدولة التي تعيش في ظلها، ومتى ما ضعفت هذه السلطة أو تم اختراقها نجدها تتكالب على إسقاطها بهدف فرض قيام دولتها وإمامتها المنصوصة كما تدّعي.

وما حدث في اليمن عقب انقلاب الحوثيين في 21 سبتمبر 2014 إلا وجه من وجوه الهاشمية السياسية التي لم ولن تتخلى عما تعتبره حقًا لها في الحكم.

إن جولة سريعة في حركة التاريخ السياسي لدولة الخلافة الإسلامية وغيرها من الدول الإسلامية الكبرى تقود إلى استنتاج حول دور الأسر الهاشمية بالتعاون مع الممالك والقادة الفرس في إسقاط دولة الخلافة وإضعافها.

فلم يتوانَى الهاشميون في فترات متعددة عن إظهار أحقيتهم في الحكم والعمل على إنهاء الأنظمة التي لم تعترف بأحقيتهم المدعاة.

والتاريخ الحديث مليء بمثل هذه الادعاءات تحت شعارات مختلفة، كما حدث أثناء الثورة العربية الكبرى للشريف حسين بن علي، التي كانت إحدى أسباب سقوط الخلافة العثمانية، رغم استجابة السلطان محمد رشاد لمطالبه أثناء ثورته التي اشترط فيها منح سوريا والعراق إدارة مركزية تحت سلطة أولاده، واعتبار شرافة مكة المكرمة حقًا متوارثًا له ولأبنائه، ناهيك عن إعلانه نفسه ملكًا على البلاد العربية كلها.

وغالبًا ما تُستخدم الروابط الهاشمية لكسب ولاء الجماهير الشيعية كما يحدث في لبنان والعراق وإيران وأيضًا في أفغانستان وباكستان والهند وغيرها، حيث يُعتمد في تأطير الخطاب السياسي على المرجعيات الدينية الشيعية في قم والنجف من أجل تكوين هوية شيعية متماسكة.

لقد تشكل العقل الجمعي لغالبية المنتمين إلى البيت الهاشمي على فكرة التمييز والمظلومية، وهي فكرة يغذيها بعد ديني تأويلي مختلق يعزز مكانتهم، ورواية تاريخية تؤكد على مظلوميتهم.

وهذا ساهم في إيجاد هوية سلالية جامعة يشترك المنتمون إليها من الأسر الهاشمية في صياغة المواقف ووضع قواعد تنظم أدوار تلك الأسر ومكانتها وتفتح لها موقعًا خاصًا داخل الدولة تمارس فيه سلطتها ووصايتها على المجتمع.

لقد منحت السياسة الخاصة لجمهورية إيران الإسلامية عقب الثورة الخمينية بيئة سياسية وفكرية واجتماعية حاضنة للهاشمية السياسية، على غرار ما جرى في التاريخ الإسلامي من استهداف لدولة الخلافة الإسلامية من قبل عشرات الحركات الباطنية التي مارست سياسة هدم الدولة من الداخل.

ومن أبرز تجليات ذلك دعم النظام الإيراني للعلويين في سوريا، وحزب الله وقيادته في لبنان، والحوثيين في اليمن، وتشجيع التظاهر والاحتجاج في بعض دول الخليج العربي وتحريض المواطنين فيها على تبني خطاب طائفي تمييزي يتصادم مع الدولة.

كما عملت إيران على توثيق علاقات شيعية مذهبية عبر أسر هاشمية في السودان وتونس والجزائر ودول أفريقية أخرى، في محاولة لتشكيل تحالفات سياسية توطن لتفاعل جماهيري أوسع على قاعدة التشيع السياسي والمذهبي، وتعيد لهذه الأسر والكيانات والمذاهب الشيعية آمالها في حيازة مكانة مؤثرة تعيد تقديمها إلى الصدارة.

وقد تعدى الدعم الإيراني للأسر الهاشمية في الوطن العربي إلى توثيق علاقتها مع الأسر الهاشمية في المهجر كبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بما يمكّنها من ممارسة دور الوسيط السياسي والفكري، ومن خلالها يُعاد إنتاج المظلومية التاريخية التي يتعرض لها الهاشميون في المحافل الدولية بما يخدم الامتداد السياسي للهاشمية العابرة للحدود والمذاهب.

ويتم ذلك عبر إدارة العديد من المؤسسات ومراكز الإعلام ومراكز البحث والمواقع العلمية والإعلامية المرئية والرقمية المؤثرة التي تتبنى خطاب التمييز والأفضلية للعنصر الهاشمي والمذهب الشيعي الموالي لآل البيت حسب زعمهم، وتستعدي التيارات السنية والأنظمة السنية الحاكمة في المنطقة، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية.

ويمكن سرد مخاطر الهاشمية السياسية كهوية عابرة للحدود والمذاهب من خلال اعتمادها على شرعية النسب لتجاوز الإطار الوطني، ووجود روابط ممتدة بين هاشميي اليمن والحجاز والعراق وإيران والمغرب العربي ينظمها ما يُعرف برابطة الهاشميين الدولية ومؤسسة أهل البيت الدولية في بريطانيا ونقابات الأشراف الهاشميين هنا وهناك.

كما تستثمر فكرة الجامعة الهاشمية كإطار يوحد أبناءها من حيث التوجهات السياسية والخطاب الديني الشيعي المتطرف والتطلعات الفكرية والثقافية التي تنظم تلك الأدوار وتبحث عن بواعث حية يمكن تسخيرها لمشروع الهاشمية الكبير المتخادم على امتداد جغرافيا العالم الإسلامي.

وتعتمد الهاشمية في سبيل تأكيد امتدادها وتأثيرها على الخطاب الديني والحق الإلهي في الحكم كما هو في اليمن، أو عبر الشبكات الاجتماعية القائمة على المصاهرات والروابط العائلية العابرة للحدود، أو عبر المؤسسات الدينية مثل الحوزات والمراكز الثقافية والزوايا الصوفية والمرجعيات الروحية، فضلًا عن التحالفات السياسية كما يجري في العلاقات اليمنية الإيرانية العراقية والسورية واللبنانية وكذلك المصرية والمغاربية والأفريقية.

كما تستند أيضًا إلى مراكز اقتصادية قوية وعلاقات تجارية واسعة.

وهناك ظهور لعائلات تجارية هاشمية تتحكم باقتصادات كبيرة في العديد من الدول وتمارس، تحت غطاء التجارة وشبكات النفوذ الاقتصادية، دعمًا لحركة التشيع ونشر الخطاب الشيعي وسط البيئات المجتمعية المحلية، كما يظهر في دولة الكويت ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما ينذر بخطر تجريف داخلي للهوية الخليجية العربية في انتمائها السني.

216.73.216.105

*باحث في مركز البحر الأحمر للدراسات السياسية والأمنية.