”حضرموت على مفترق طرق: قيادات كبرى تلتقي خلف الأبواب المغلقة… فما الذي اتفقوا عليه؟”

بعد نحو شهر من الهدوء النسبي، عادت الساحة الحضرمية لتكون بؤرة تركيز سياسي وأمني متجدد، حيث شهدت الأيام القليلة الماضية حراكًا مكثفًا تقوده قيادات حضرمية بارزة، في محاولة لتنسيق الجهود بين المكونات السياسية الجنوبية، والتوصل إلى رؤية مشتركة تحمي المحافظة من الانزلاق نحو الفوضى أو الصراعات التي تسعى أطراف إقليمية ودولية إلى تغذيتها لزعزعة الاستقرار في واحدة من أهم المحافظات اليمنية استراتيجيًا واقتصاديًا.
216.73.216.105
وفي إطار هذا الحراك، التقى اللواء الركن فرج سالمين البحسني، عضو مجلس القيادة الرئاسي ونائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اليوم في العاصمة الإماراتية أبوظبي، كلاً من الشيخ علي عبدالله الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية، والدكتور عمرو البيض، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي، في لقاء مغلق تناول مستجدات الأوضاع السياسية على المستويين الوطني والجنوبي، مع تركيز خاص على الوضع في محافظة حضرموت.
البحسني: حضرموت ركيزة الاستقرار والتنمية
وخلال اللقاء، أكد اللواء البحسني على "الأهمية الاستراتيجية لمحافظة حضرموت، لا فقط باعتبارها الأكبر مساحةً والأغنى ثروات، بل لأنها تمتلك موقعًا جغرافيًا فريدًا، وإرثًا حضاريًا وتاريخيًا يمتد لآلاف السنين، ما يجعلها محورًا أساسيًا لأي مشروع وطني أو جنوبي مستقبلي". وشدد على أن "أي استقرار في الجنوب لن يتحقق دون استقرار حضرموت، وأي تنمية لن تنجح دون مشاركتها الفاعلة".
كما أشاد البحسني بدور الشيخ علي الكثيري في "تعزيز الحضور الوطني لقضية الجنوب داخل المؤسسات الدستورية"، ودور الدكتور عمرو البيض في "إيصال صوت الجنوب وقضاياه إلى المحافل الإقليمية والدولية"، مؤكدًا أن "التنسيق بين هذه الأدوار هو ما سيمكن من بناء مشروع سياسي جامع يحمي الجنوب من التشرذم".
الكثيري: ضرورة التشاور الأوسع وتوحيد الصف
من جانبه، شدد الشيخ علي عبدالله الكثيري على أن "المرحلة المقبلة تتطلب تشاورًا أوسع بين القيادات الوطنية، وتعزيز التنسيق لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية، بما يلبي تطلعات أبناء الجنوب ويحمي مكتسباتهم". وأشار إلى أن "الجمعية الوطنية، بوصفها أحد أبرز المؤسسات التشريعية في الجنوب، تواصل متابعة القضايا الوطنية ومواكبة تطلعات الشارع الجنوبي، وتعمل على تعزيز آليات الحوار والشراكة مع جميع المكونات".
وأجمع المشاركون في اللقاء على "ضرورة استمرار هذه الاجتماعات بصورة دورية، لترسيخ الشراكة السياسية، وتوحيد الرؤى الداعمة لاستقرار حضرموت والجنوب عمومًا"، واتفقوا على تشكيل لجان فنية وسياسية لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وتحديد أولويات المرحلة القادمة.
زيارة عزاء تحمل أبعادًا سياسية: الكثيري يلتقي بن بريك
وفي تحرك سياسي موازٍ، زار الشيخ علي الكثيري، يوم أمس، اللواء أحمد سعيد بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في مقر إقامته بأبوظبي، لتقديم واجب العزاء في وفاة شقيقه وابن عمه. لكن اللقاء، وإن بدأ بمشاعر التعزية، سرعان ما تحوّل إلى مناقشة سياسية معمقة حول مستقبل حضرموت والجنوب.
وخلال اللقاء، أكد الكثيري أن "الجمعية الوطنية تضع ملف حضرموت في سلم أولوياتها، وتتابع كل التطورات المتعلقة بها، وتعمل على توحيد المواقف مع الشركاء السياسيين لضمان عدم انجرارها إلى أي صراعات جانبية". فيما جدد اللواء بن بريك التزامه "بالعمل الدؤوب لتعزيز دور المجلس الانتقالي في حماية القضية الجنوبية، وتحقيق أهدافها الوطنية عبر آليات الحوار والشراكة، وليس الصراع أو الانفراد".
وبحسب مصادر مقربة من الطرفين، فإن اللقاء حمل "رسائل طمأنة متبادلة"، وأكد على "ضرورة تغليب لغة الحوار والتنسيق بين المكونات الجنوبية، خصوصًا في ظل التحديات المتصاعدة والمخاطر التي تهدد الاستقرار في حضرموت".
مراقبون: بوادر مرحلة جديدة من التنسيق الحضرمي-الانتقالي
ويرى مراقبون سياسيون أن هذه اللقاءات المتتالية في أبوظبي "تحمل مؤشرات قوية على ولادة مرحلة جديدة من التنسيق بين المكون الحضرمي والمجلس الانتقالي"، تهدف إلى "بلورة مشروع سياسي جامع يضمن بقاء حضرموت بعيدة عن دائرة الفوضى والصراعات الجانبية، ويمهّد لتثبيت دعائم الاستقرار في الجنوب ككل".
ويضيف المراقبون أن "التوقيت مهم جدًا"، إذ يأتي في ظل تصاعد التوترات في بعض مناطق الجنوب، ومحاولات أطراف خارجية لاستغلال أي خلافات داخلية لزعزعة الاستقرار، ما يجعل من هذه اللقاءات "خطوة استباقية لقطع الطريق على أي مخططات تفتيتية".
ما بعد اللقاءات: ماذا بعد؟
مصادر مطلعة كشفت أن "اجتماعات موسعة" ستُعقد خلال الأسابيع المقبلة في حضرموت نفسها، تضم قيادات محلية ووطنية، لمناقشة تفاصيل المشروع السياسي المشترك، وآليات تنفيذه على الأرض، بما في ذلك:
- تعزيز التنسيق الأمني والعسكري.
- تفعيل المؤسسات المحلية والاقتصادية.
- إطلاق مبادرات مجتمعية لتعزيز اللحمة الوطنية.
- بلورة رؤية موحدة تجاه أي تدخلات خارجية.
ختامًا: حضرموت ليست للرهانات
يبدو أن القيادات الحضرمية والجنوبية بدأت تدرك أن حضرموت – بكل ما تمتلكه من ثروات وموقع وإرث – "ليست ساحة للرهانات أو التجاذبات"، بل هي "العمود الفقري لأي مشروع جنوبي مستقر". وما يجري اليوم من لقاءات وتنسيق ليس مجرد رد فعل على تطورات، بل هو "بناء استراتيجي لمستقبل الجنوب"، يبدأ من حضرموت، ويُراد له أن يكون نموذجًا للشراكة والتوافق، لا للصراع والانقسام.