الإثنين 22 سبتمبر 2025 11:22 مـ 30 ربيع أول 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

”عرف قبلي نادر باليمن: المرأة ليست ضعيفة… بل هي ”الفيتو” الذي يُلغي أي خصومة!”

الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 12:25 صـ 1 ربيع آخر 1447 هـ
ارشيفية
ارشيفية

في قلب محافظة البيضاء اليمنية، وفي منطقة رداع قيفه تحديدًا، تنبض تقاليد وأعراف قبلية فريدة من نوعها، تحوّل المرأة إلى رمزٍ مقدّس لا يُمسّ، وتضعها خارج دائرة النزاعات مهما اشتدّت وتيرتها أو تعقّدت أسبابها. ففي مجتمعٍ يُعرف بصلابة عاداته وقوة نفوذ العرف القبلي، برزت قوانين غير مكتوبة لكنها مُلزمة، تُحيط المرأة بهالة من الحصانة والقداسة، وتمنع أي طرف من استغلال وجودها أو المساس بها تحت أي ظرف.

المرأة: درعٌ مقدس وضمانة أمان

216.73.216.39

بحسب ما يرويه أبناء المنطقة ويتناقلونه جيلًا بعد جيل، فإن مجرد وجود المرأة برفقة رجلٍ — سواء كانت والدته، زوجته، أخته، أو ابنته — يُعتبر "حرمة" تمنع أي اعتداء عليه، حتى لو كان هذا الرجل طرفًا في خصومة دموية. ولا يقتصر الأمر على الحماية أثناء التنقل، بل يمتد ليشمل مواقف أكثر دقةً وإنسانية؛ فعندما تدخل امرأة إلى مكانٍ يشهد حصارًا بين غُرماء، يُنظر إليها على أنها "ضامنة" تُلزم الأطراف بإنهاء الحصار والسماح للمحاصَرين بالخروج بأمان، دون خوف أو انتقام.

ومن العادات المدهشة أيضًا، أن مرافقة المرأة لرجلٍ مريض أو عائد من غيابٍ طويل — كمن عاد من السفر أو من سجن أو حتى من معركة — تمنحه "حرمة" مؤقتة، تُلزِم الجميع باحترامه وعدم التعرض له، وكأن المرأة هنا ليست مجرد رفيقة، بل "راية سلام" تُرفع فوق رأسه لتُعلن حرمته.

أخلاقيات الصراع: لا غدر، لا خيانة، لا اعتداء على أعزل

ولا تقف هذه الأعراف عند حدود حماية المرأة، بل تمتد لتشمل مبادئ أخلاقية راسخة في إدارة الصراعات. ففي رداع قيفه، يُحرّم العرف القبلي الغدر أو القتل من الخلف، ويُجرّم الاعتداء على شخصٍ أعزل لا يحمل سلاحًا، حتى لو كان خصمًا لدودًا. بل إن هذه الأخلاق تُطبّق حتى في أوج المواجهات، حيث يتحول الطعام والمشاركة في المناسبات الاجتماعية — كالولائم والأعراس — إلى "هدنة مؤقتة" تُعلّق فيها الخصومات، ويُجلس الأعداء جنبًا إلى جنب، تجمعهم لقمة واحدة وضيافة لا تُرفض.

إرثٌ إنساني يُوازن بين القوة والرحمة

يؤكد شيوخ وأبناء منطقة رداع قيفه أن هذه التقاليد ليست مجرد قواعد للتعايش، بل هي إرثٌ حضاري وإنساني يعكس فهمًا عميقًا لدور المرأة كرمز للحياة والكرامة، واحترامًا لقيم العدل والشرف التي لا تُفرّق بين صديق وعدو في لحظات الضعف أو الحاجة. ويقول أحد وجهاء المنطقة: "المرأة عندنا ليست ضعيفة، بل هي القوة التي تُهدّئ النفوس وتُطفئ نار الخصام. من يمسّها، يمسّ قدسية القبيلة كلها".

ويضيف آخر: "هذه الأعراف لم تُكتب بقانون، لكنها نُقشت في القلوب، وانتقلت شفهيًا عبر الأجيال. هي التي حافظت على تماسك المجتمع، ومنعت استفحال العنف، وجعلت حتى أقسى الخصوم يُنصتون لصوت الإنسانية".

نموذج يُحتذى في زمن الصراعات

في وقتٍ تتفشّى فيه ثقافة العنف وتُستَهدف فيه النساء كأدوات ضغط أو انتقام في كثير من المناطق، تبرز رداع قيفه كنموذجٍ فريد يُعيد تعريف العلاقة بين القبيلة والمرأة، ويُثبت أن الأعراف القبلية — عند توظيفها بحكمة — يمكن أن تكون حاضنة للسلم الأهلي وضامنة لحقوق الإنسان، حتى في غياب الدولة أو القانون المكتوب.

إنها قصة منطقة صغيرة، لكنها تحمل رسالة كبرى: أن احترام المرأة وحمايتها ليس ضعفًا، بل هو أسمى مظاهر القوة الأخلاقية، وأن الصراع — مهما بلغ — لا يجب أن يمحو إنسانية الإنسان.