الجمعة 26 سبتمبر 2025 07:16 مـ 4 ربيع آخر 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

جدل واسع في تعز بعد قرار تغيير اسم ”شارع جمال عبدالناصر” إلى ”شارع افتهان المشهري”

الجمعة 26 سبتمبر 2025 08:05 مـ 4 ربيع آخر 1447 هـ
المشهري
المشهري

أثار قرار السلطات المحلية في مدينة تعز تغيير اسم "شارع جمال عبدالناصر" إلى "شارع افتهان المشهري" موجةً عارمة من الجدل والانتقادات بين أبناء المدينة، انقسمت حوله الآراء بين من يراه تكريمًا رمزيًّا لضحية عنفٍ مؤلمة، ومن يعتبره محاولةً لطمس رمزية تاريخية عميقة مرتبطة بالهوية الوطنية والكفاح ضد الاستعمار.

216.73.216.165

ويُعد شارع جمال عبدالناصر من أبرز معالم المدينة من الناحية التاريخية والرمزية، إذ يعود تسميته إلى قرار جمهوري صدر في ستينيات القرن الماضي، تكريمًا لزيارة الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر إلى تعز عام 1964، حين ألقى خطابًا تاريخيًّا في ميدان الشهداء، قال فيه عبارته الشهيرة: "على العجوز الشمطاء أن ترحل من جنوب اليمن"، في إشارةٍ صريحة إلى الاستعمار البريطاني في عدن. وقد ظلّ الشارع منذ ذلك الحين شاهدًا على محطات كبرى من تاريخ المدينة، ورمزًا لعصر التحرر والوحدة العربية.

واعتبر منتقدو القرار أن تغيير الاسم لا يُعد تكريمًا حقيقيًّا للشابة "افتهان المشهري"، التي قُتلت في حادثة أثارت تعاطفًا واسعًا في الشارع اليمني، بل هو في جوهره محاولةٌ لاستهداف إرث زعيم عربي كان له دورٌ محوري في دعم الثورات اليمنية، خصوصًا ثورة 26 سبتمبر في الشمال وثورة 14 أكتوبر في الجنوب، والتي ساهمت بشكل مباشر في إنهاء الحكم الإمامي والاستعمار البريطاني.

وقال ناشطون ومؤرخون محليون إن الشارع ليس مجرد ممرٍّ جغرافي، بل جزءٌ من الذاكرة الجماعية لأبناء تعز، مشيرين إلى أن عبدالناصر لم يكن مجرد زعيم عربي، بل كان رمزًا للكرامة والتحرر، وكان لخطابه في تعز أصداءٌ واسعة ساهمت في تشكيل الوعي السياسي لجيلٍ كامل. وذهب بعضهم إلى أن القرار يُجسّد "انفصالًا عن التاريخ" ويُضعف من مفهوم الهوية الوطنية في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى روابط توحيدية أكثر من أي وقتٍ مضى.

في المقابل، دافع مؤيدو القرار عن خطوته باعتبارها "تكريمًا رمزيًّا" للشابة افتهان المشهري، التي قُتلت في ظروف مأساوية أثارت غضبًا شعبيًّا واسعًا، معتبرين أن تسمية الشارع باسمها تُعد رسالةً إنسانية ضد العنف، وخصوصًا العنف الموجّه ضد النساء. ورأى هؤلاء أن تكريم الضحايا الأبرياء لا يقل أهمية عن تكريم الرموز التاريخية، وأن المدينة بحاجة إلى رموزٍ تعبّر عن قضايا الحاضر المؤلمة كما تعبّر عن أمجاد الماضي.

ويأتي هذا الجدل في سياق أوسع من النقاشات الدائرة حول كيفية التعامل مع الإرث التاريخي في ظل المتغيرات السياسية والاجتماعية المتسارعة، خصوصًا في ظل الحرب المستمرة في اليمن منذ سنوات. ويطالب كثيرون بإعادة النظر في القرار، داعين إلى اعتماد مقاربة أكثر توازنًا تحترم البُعد التاريخي دون إغفال البُعد الإنساني، مقترحين تسمية شارعٍ أو ساحةٍ جديدة باسم افتهان المشهري، بدلًا من استبدال اسمٍ يحمل رمزية وطنية عميقة.

ويظل السؤال مفتوحًا: هل يمكن الجمع بين تكريم الماضي ووجع الحاضر دون أن يطغى أحدهما على الآخر؟ في مدينةٍ مثل تعز، التي عاشت على وقع النضال والتضحية، يبدو أن الإجابة تتطلب أكثر من قرار إداري — بل حوارًا مجتمعيًّا يراعي عمق الذاكرة وحساسية اللحظة.

موضوعات متعلقة