الحوثيون يوسعون موانئ رأس عيسى والصليف ويستقبلون سفنًا خلافًا للآلية الأممية
في خطوة تعدّل من موازين القوى اللوجستية والاقتصادية على الساحل الغربي لليمن، كشفت معلومات ميدانية عن قيام مليشيات الحوثي بإنشاء رصيفين جديدين في ميناء رأس عيسى النفطي، مما مكّنهم من استقبال أول سفينة تجارية دون المرور عبر الآلية الأممية للتفتيش، فيما تتواصل بالتوازي أعمال توسعة مماثلة في ميناء الصليف، مما يشير إلى استراتيجية مدروسة لخلق موانئ بديلة وآمنة تتجاوز الضغوط العسكرية والسياسية.
رأس عيسى: من ميناء نفطي إلى ملاذ تجاري آمن
وفقًا لمصادر مطلعة، فإن الفترة الممتدة من يوليو إلى أغسطس 2025 شهدت عملًا مكثفًا لإنشاء رصيفين جديدين في ميناء رأس عيسى، الذي كان تاريخيًا مخصصًا لتصدير النفط.
جاءت هذه الخطوة ثمارها في منتصف أكتوبر الماضي، برسو أول سفينة تجارية قادمة من ميناء ينبع السعودي، محملة بـ 7200 طن من السكر.
ويكمن السر في هذا التحول في الطبيعة التشغيلية للميناء. فبخلاف موانئ الحديدة والصليف التي تعرضت بنيتها التحتية الحيوية لأضرار بالغة جراء الغارات الإسرائيلية المتكررة، يفتقر ميناء رأس عيسى إلى منشآت ثابتة وقابلة للتدمير مثل الرافعات الساحلية الضخمة والمخازن الاستراتيجية.
هذا "الفراغ البنيوي" يحوله إلى خيار استراتيجي آمن من الغارات الجوية، وهو ما دفع الحوثيين لتحويله إلى محور رئيسي لأنشطتهم التجارية.
ويعتمد الحوثيون في عمليات التفريغ في رأس عيسى على أسلوب عملي يغنيهم عن البنى التحتية المعقدة، حيث يتم استخدام الرافعات الموجودة على ظهر السفن ذاتها (رافعات السفن).
والأهم من ذلك، أن هذه الآلية تتيح لهم استقبال السفن وتفريغها دون الحاجة إلى موافقة أو تفتيش من البعثة الأممية لدعم عمليات تفتيش السفن (VIMTF)، وهو ما تجلى في وجود ثلاث سفن حاليًا في الميناء لم تخضع لهذه الإجراءات.
توسعة موازية في الصليف لتعزيز القدرات النفطية
وبالتوازي مع التطورات في رأس عيسى، لم تتوقف أعمال التوسعة الحوثية عند هذا الحد. فمنذ أبريل 2025، بدأت أعمال إنشاء رصيف جديد في ميناء الصليف، وهو أحد أكبر موانئ تصدير الأسماك في اليمن، وامتد الرصيف باتجاه جزيرة كمران ليكتمل العمل فيه خلال نوفمبر الجاري.
ولم تقتصر التوسعات على الأرصفة فقط؛ فقد تم تشييد "لسان بحري" جديد بطول 1.56 كيلومترًا غرب الميناء. وتشير تقديرات مراقبين إلى أن هذا اللسان البحري الطويل قد تم تصميمه خصيصًا لخدمة سفن الشحن النفطية والغازية، مما يفتح الباب أمام تحويل الصليف إلى مركز موازٍ لرأس عيسى في استيراد وتصدير المواد الهيدروكربونية.
دلالات وتداعيات استراتيجية
يقرأ محللون سياسيون وعسكريون في هذه التحركات دلالات عميقة تتجاوز مجرد إصلاح ما دمرته الحرب:
- الصمود والتكيف: تظهر هذه الخطوات قدرة الحوثيين على التكيف مع الضغوط العسكرية وخلق بدائل لوجستية تعوضهم عن المنشآت المستهدفة، مما يطيل أمد قدرتهم على الصمود.
- الاستقلالية الاقتصادية: من خلال إنشاء موانئ بديلة وتجاوز الآلية الأممية، يسعى الحوثيون إلى تأمين مصادر دخل جديدة (رسوم، ضرائب) وضمان تدفق السلع الأساسية والتجارية بشكل مستقل، مما يعزز سلطتهم الفعلية على الأرض.
- فرض واقع جديد: إنشاء هذه المنشآت يغير من الواقع الجيوسياسي في البحر الأحمر، ويفرض على المجتمع الدولي والأطراف المعنية بالملف اليمني التعامل مع واقع جديد تسيطر عليه جماعة الحوثيين على نقاط بحرية استراتيجية.
في الختام، لم تعد موانئ رأس عيسى والصليف مجرد نقاط على خريطة الصراع اليمني، بل أصبحت شريانًا حيويًا جديدًا لمشروع الحوثيين، يعكس تحولًا من الدفاع إلى بناء استراتيجية مستدامة قادرة على تحدي القيود الإقليمية والدولية على المدى الطويل.












