”وصفة دوائية دون كشف طبي… ظاهرة تهدد صحة أهالي تعز”

تشهد محافظة تعز في الآونة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في ظاهرة لجوء المرضى إلى الصيدليات للحصول على تشخيص أولي لحالاتهم الصحية، بل وحتى وصفات دوائية مباشرة، دون المرور على الأطباء أو التوجه إلى المستشفيات والعيادات الخاصة. وتثير هذه الممارسة مخاوف واسعة من تداعياتها الصحية والمجتمعية، في ظل غياب الرقابة الفعّالة وتفاقم الأعباء الاقتصادية على المواطنين.
216.73.216.22
وبحسب مراقبين محليين، فإن السبب الرئيسي وراء انتشار هذه الظاهرة يعود إلى الارتفاع الصاروخي في تكاليف الخدمات الطبية، لا سيما في القطاع الخاص، حيث تصل رسوم الكشف الطبي في بعض العيادات إلى مستويات تفوق قدرة شريحة واسعة من السكان على التحمّل، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المحافظة منذ سنوات.
ويشير هؤلاء إلى أن غياب الرقابة الحكومية الفعّالة على المرافق الصحية الخاصة، سواء من حيث التسعير أو جودة الخدمة، يُمكّن بعض مقدّمي الخدمة من استغلال حاجة المرضى، وفرض رسوم مبالغ فيها دون رادع. ونتيجة لذلك، يجد المواطنون أنفسهم أمام خيارين: إما تحمل تكاليف باهظة قد لا تتناسب مع حالتهم المالية، أو اللجوء إلى الصيدليات كحل "اقتصادي" سريع.
"الصيدلي ليس طبيبًا"
ويؤكد مواطنون من مختلف الأحياء في تعز أنهم يلجأون إلى الصيادلة لوصف الأدوية بناءً على أعراض بسيطة مثل الصداع أو الحُمّى أو آلام المعدة، مشيرين إلى أن بعض الصيادلة يقدّمون وصفات دوائية كاملة دون أن يطلبوا من المريض زيارة طبيب. ويقول "أحمد محمد"، أحد سكان حي القاهرة: "ذهبت إلى صيدلية لأنني أشعر بألم في البطن، فوصف لي الصيدلي مضادًا حيويًّا ومسكنًا، وتحسّنت حالتي بعد يومين. لو ذهبت إلى عيادة، لكنت دفعت ما لا يقل عن 3000 ريال، ناهيك عن تكاليف الأدوية والتحاليل".
لكن هذا "الحل السريع" لا يخلو من مخاطر جسيمة، إذ يحذّر خبراء صحيون من أن الاعتماد على تشخيص الصيادلة أو حتى على تجارب سابقة في تناول الأدوية قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، أبرزها سوء استخدام المضادات الحيوية، وتأخير التشخيص الصحيح للأمراض، بل وقد يُعرّض حياة المريض للخطر في بعض الحالات الحرجة.
غياب الرقابة وانهيار النظام الصحي
ويرى مسؤولون في قطاع الصحة أن هذه الظاهرة هي انعكاس طبيعي لانهيار المنظومة الصحية في تعز، الناتج عن تراكم الأزمات وغياب التدخلات الحكومية الفعّالة. ويؤكد الدكتور "خالد العزعزي"، طبيب عام في مستشفى خاص، أن "الصيدليات ليست بديلًا عن العيادات، ولا يحق لأي صيدلي أن يشخص حالة مرضية أو يصف علاجًا، إلا في حالات محدودة جدًّا ومحددة بقوانين مهنية صارمة".
ويضيف: "ما نراه اليوم هو نتيجة فراغ تنظيمي كبير، وضعف في آليات الرقابة من وزارة الصحة، ما يسمح بانتشار ممارسات غير قانونية تهدد سلامة المرضى".
نداءات للجهات المعنية
ويطالب ناشطون ومهنيون صحيون الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية، باتخاذ إجراءات عاجلة للحد من هذه الظاهرة، عبر تشديد الرقابة على الصيدليات، وتفعيل القوانين التي تجرّم ممارسة التشخيص أو وصف الأدوية من غير المختصين. كما يدعون إلى إعادة النظر في سياسات تسعير الخدمات الصحية في القطاع الخاص، ودعم المرافق الحكومية لتخفيف العبء عن المواطنين.
وفي ظل استمرار هذه الممارسة دون ضوابط، تبقى صحة آلاف السكان في تعز عرضة لمخاطر قد لا تظهر آثارها إلا بعد فوات الأوان.