الأحد 19 أكتوبر 2025 07:05 مـ 27 ربيع آخر 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

مغالطات محمد البخيتي.. حين تتحدث العصابة العنصرية باسم الدولة

الأحد 19 أكتوبر 2025 07:31 مـ 27 ربيع آخر 1447 هـ
مغالطات محمد البخيتي.. حين تتحدث العصابة العنصرية باسم الدولة

بعد سطو الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، جمعني لقاء تلفزيوني مع القيادي الحوثي محمد البخيتي على قناة يمنية. كان اللقاء في ذلك الحين يتحدث عن خروج شباب اليمن في عدد من شوارع صنعاء ضد جماعة الحوثي، وكذلك عن عدوان الميليشيات الحوثية على سكان محافظة البيضاء.
تذكرت ذلك اللقاء وأنا أقرأ "مغالطات" البخيتي التي ينشرها هذه الأيام تحت عنوان "مكاشفات". لم يتغير شيء منذ تلك الفترة.. نفس الأسلوب الكلاسيكي للدعاية المضللة التي تمزج بين الشعارات الزائفة والمفاهيم المقلوبة لتبرير جرائمهم وعنصرية المشروع السلالي.
عبر هذا النص المختصر، سأفند بعض أكاذيب البخيتي وسأعود للاستدلال ببعض ما جاء في ذلك اللقاء التلفزيوني المذكور ومقارنته بواقعنا اليوم بعد مرور أكثر من عقد من الزمان.

أولا: إسقاط الدولة
القيادي الحوثي، يتقمص دور الحريص على "الدولة اليمنية"، الدولة التي أسقطوها بعد تمرد بدأ في 2004 ووصل ذروته في 2014. قبل سطو الجماعة الحوثية على صنعاء بأيام قليلة، ذهبت قيادات أبرز الأحزاب اليمنية إلى صعدة لمقابلة زعيم العصابة الحوثية و"توسلوا" له بألا يدفع أنصاره -المحاصرين لصنعاء بمختلف الأسلحة- لاقتحام عاصمة البلاد، لأن ذلك يعني إشعال حرب قد تنتهي بتفتيت "الدولة اليمنية".. الدولة اليمنية التي يحدثنا البخيتي عنها اليوم.
لكن زعيم العصابة عبدالملك لم يحترم رجاء قيادات الأحزاب السياسية، ولم يأبه لتحذيراتهم، هذا لأن أول طلقة أطلقها الحوثيون في 2004 كان هدفها السيطرة على صنعاء وإعادة الحكم السلالي العنصري ضمن المشروع السلالي الإقليمي بقيادة النظام الإيراني وهذا هدف لن يتراجعوا عنه.
ما زالت صورة الوفد السياسي الزائر لصعدة موجودة على شبكة الإنترنت وعلى رأس هذا الوفد عبدالكريم الإرياني (رحمه الله) وعبدالوهاب الآنسي وياسين سعيد نعمان.
إذن، من أسقط الدولة اليمنية يا بخيتي؟
في اللقاء الذي جمعني بك بعد سطوكم على صنعاء، كنت تُصر على تبرير ذهاب ميليشياتكم لقتال سكان البيضاء بقولك إنكم تقاتلون تنظيم القاعدة، قلت لك حينها إن قتال القاعدة ليست مهمة الجماعات المتطرفة أمثالكم بل مهمة الدولة، لأن خروج الحوثيين من صعدة وذهابهم إلى البيضاء سيستفز أهالي المحافظة لقتالكم باعتباركم جماعة طائفية معتدية، وهذا ما سيوسع الحرب، وقلت أيضا إن ذهابكم إلى مأرب سيحقق ذات النتيجة.. أليس هذا ما حدث؟ وتذكر، كان هذا قبل تدخل التحالف العربي بأشهر. بمعنى أن تحميل الدول العربية الشقيقة مسؤولية ما يحدث محاولة بائسة لأن الطلقة الأولى كانت حوثيخمينة، ومجيء الأشقاء العرب بدعوة من الحكومة اليمنية المنتخبة، لاسيما بعدما تأكد للجميع دعم إيران وحزب الله لكم.
من استهدف وجود الدولة يا بخيتي؟
دعني أذكرك لأني أحد الشهود على تلك الفترة.. من استهدف وجود الدولة هي جماعة عرقطائفية صغيرة لا تمثل حتى كل الهاشميين في اليمن، بشن حروب مستمرة ضد الدولة وجيشها بعد وضعه في خانة الأعداء لأنه شارك إلى جانب الجيش العراقي الحرب ضد النظام الإيراني.. أليس حسين الحوثي هو الذي صرح بذلك وناصب الجيش والدولة اليمنية العداء، غِيرة على ابن عمه الخميني في إيران؟!
من استهدف وجود الدولة ووحدة أراضيها هو من اقتحم عاصمة البلاد بالسلاح، واحتجز رئيس الجمهورية (الجنوبي) في صنعاء وطرد حراسته بشكل مهين، وحاصر الحكومة ونهب مؤسساتها، وسيطر على البنك المركزي ونهب الاحتياطي فيه، وألغى الدستور اليمني وأعلن التعبئة العسكرية العامة لقتال أهالي المحافظات الوسطى والجنوبية والشرقية بعد وصفهم بالدواعش والإرهابيين؟
صنعاء كانت عاصمة اليمن الكبير المتنوع، والنظام كان مكونا من كل أرجاء اليمن، وعندما تسطو عصابة عرقية وطائفية عنصرية لا تمثل إلا نسبة قليلة جدا من اليمنيين على مؤسسات الدولة، فمن الطبيعي أن تسعى الأطراف للانفصال لأنها ليست ممثلة في عاصمة البلاد، ولأن السلطة في يد سلالة لا الشعب. فمن استهدف وجود الدولة وتسبب في تمزيقها يا بخيتي؟

ثانيا: الهوية الوطنية
حقيقة، لم أجد في حياتي أوقح من الحوثيين، يقومون بتنفيذ ما يسمى في الوسط الحقوقي بـ"الإبادة الثقافية"، أي محو الهوية اليمنية، ويعملون على نشر ما يسمونها "الهوية الإيمانية"، التي تؤصل لحكم السلالة وتشرعن عبودية اليمنيين لها وتبعيتهم للمشروع الخميني في المنطقة. ثم يتهمون ضحاياهم، من يقومون بطمس هويتهم ومحو معتقداتهم، بأنهم من يستهدفون الهوية اليمنية.. أليست وقاحة؟!
في نص البخيتي وردت عبارة مضحكة قال فيها إن اليمنيين "يعتبرون الشعب اليمني قاصرا وغير قادر على حكم نفسه بنفسه". ولو سألته: هل يمكن أن تكون في منصب أو مكانة عبدالملك الحوثي القائد الأول للجماعة؟ سيسكت وتحمر أذناه من الخجل. لأن معتقده قائم على فكرة أن كل اليمنيين قاصرون، وأن القول الفصل يجب أن يكون لأشخاص من بني هاشم. حتى البخيتي نفسه يرى نفسه أحقر من عبدالملك الحوثي وأبناء عمومته. إلا يحق لنا أن نضحك؟!
يحدثنا عن استهداف الهوية اليمنية، وهو محق في ذلك. إلا أن من يستهدفها هم أصحاب خرافة "آل البطيخ" أو ما تسمى "الولاية" التي تحول اليمنيين إلى عبيد عند السلالة. من يستهدف الهوية اليمنية الجامعة لصالح مشروع السلالة الطائفية؟ أليس من يغير المناهج الدراسية؟ ومن يغير أسماء الشوارع والمدارس والمستشفيات والمساجد؟ أليس من يخضع الموظفين لدوراته "الثقافية" مقابل السلة الغذائية أو نصف الراتب؟ أليس من فجر مراكز تحفيظ القرآن وغيّر خطباء المساجد وهجرهم وسجنهم وسحلهم في منازلهم أمثال الشيخ صالح حنتوس رحمه الله؟ أليس من يقوم بتشييع سنّة اليمن؟
دعني أعود لذلك اللقاء الذي جمعنا قبل أكثر من عشر سنوات، قلت لك يومها على الهواء مباشرة إن جماعتك تقوم بتغيير معتقدات اليمنيين وهويتهم، وتفرض معتقدها الطائفي بالقوة في المدارس وهذا تفخيخ للمستقبل. أنت لحظتها انفعلت وأنكرت ذلك وطالبتني بما يثبت، وقد فعلت وذكرت لك ما رأيته وسمعته عن فرض صرختكم وروايتكم الطائفية في مدارس عمران عندما زرتها. لكن خبرني اليوم؟ ألم تفرضوا الصرخة وخرافاتكم في كل المناطق التي تسيطرون عليها اليوم؟ من يعبث بالهوية اليمنية؟

ثالثا: السيادة الوطنية
يحدثنا الحوثيون -كالعادة- عن السيادة، وهم من يخونون سيادة اليمن منذ 2004 بل من قبل هذا التاريخ بمراحل طويلة.
شعار الحوثيين إيراني، وسلاحهم إيراني، وتدريبهم إيراني، وإعلامهم إيراني، وأموالهم من إيران، ولبسهم وهيئتهم وطريقة كلامهم وحركة اليد وتسريحة الشعر.. كلها خمينية إيرانية لا علاقة لليمنيين بها، ثم يأتي البخيتي ليحدثني عن السيادة.
من أرسل آلاف العناصر إلى إيران للتدريب الحربي والأمني والتنظيمي وحتى التحصيل الفكري العقائدي منذ وقت مبكر ليقوم باستهداف الأمن القومي اليمني ودول الإقليم في شبه الجزيرة العربية؟ من يرفع صور القيادات الخمينية وعناصر حزب الله في الشوارع والمؤسسات الحكومية وداخل منازلهم؟
هل شاهدت أو سمعت مسؤولا في دولة بالعالم قال إن عدن أو مأرب أو المخا أو تعز أو الضالع أصبحت تحت سيطرة بلاده، كما اعترف مسؤولو الحرس الثوري الإيراني مرارا بأن "صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لطهران"؟
وتأتي بلا خجل تحدثني عن السيادة؟
ألا تتابع التقارير المحلية والدولية التي تنقل لنا بالصوت والصورة محاولات تهريب السلاح والتقنية الإيرانية إلى الحوثيين مما جعل اليمن ساحة نفوذ إيرانية لا دولة مستقلة؟ تصفون انتهاك إيران وحزب الله للسيادة اليمنية بـ"وحدة الساحات"، وتدافعون عن إيران بقولكم إنها دولة إسلامية، وتعتبرون تحالف اليمنيين مع أشقائهم العرب خيانة للسيادة..!

رابعا: السلطة الداخلية
يصر الحوثيون على أنهم السلطة الشرعية، بالرغم من أن الشعب يخرج ضدهم بين الفترة والأخرى ولهذا يضطرون لسجن آلاف اليمنيين بشكل مستمر، وبالرغم من أن كل الأحزاب السياسية لا تعترف بهم، كذلك لا توجد دولة اعترفت بسلطتهم، بل تم نبذهم وتصنيفهم كإرهابيين. أي لا اعتراف داخلي ولا خارجي، ومع ذلك يصرون على القول إنهم يمثلون الشعب اليمني.
هل انتخبكم الشعب؟ هل بايعكم؟ هل وكلكم؟ هل منحكم الثقة؟
لا تحدثني عن الحشود التي تخرجونها إلى الشوارع، فهي لا تثبت شعبيتكم ولا تشرعن هيمنتكم، لأننا نعرف كيف يتم إخراج من جوعتموهم واستغليتم عاطفتهم تجاه القضايا العادلة.. ولو وجد الشعب اليمني فرصة للخروج ضدكم، لخرجوا أضعافا مضاعفة بكل تلقائية وبدون تهديد أو تجويع أو استغلال قضية فلسطين. ولهذا تخشون من تجمع اليمنيين حتى في صلاة الجمعة كي لا يتحول الجمع إلى ثورة شعبية لا يمكن مقاومتها.

لقد أثبتت التجربة الطويلة مع هذه العصابة أن مشكلتها دائما مع فكرة الدولة ذاتها، ومع مبدأ المواطنة المتساوية الذي يسقط امتياز "الحق الإلهي" في الحكم.
كل خطابات وشعارات قيادات العصابة، مهما كانت براقة كما في "مغالطة البخيتي رقم 2"، تنتهي إلى غاية واحدة توارثوها جيلا بعد جيل، وهي فرض سلطة السلالة التي ترى نفسها الأحق بحكم المسلمين وليس اليمن وحسب.
استهلك الحوثيون مفردات مثل "السيادة" و"الاستقلال" و"الدولة" وغيرها في خطاباتهم حتى فقدت معناها الحقيقي. بل قاموا بتغيير المعاني والمفاهيم. فسطو السلالة على مؤسسات الدولة يسمونه ثورة، والميليشيات الهمجية يسمونها دولة، ورفض اليمنيين لهم يسمونه خيانة وارتزاق وجاسوسية، والسيادة يسلمونها لطهران باسم الاستقلال.
الحقيقة يا بخيتي أن معركة اليمنيين اليوم ليست بين "حكومة صنعاء" و"حكومة عدن" كما يحلو لكم وصفها، ولا بين شمال وجنوب، بل بين مشروعين متناقضين في جوهرهما. الأول مشروع وطني جمهوري يضمن احترام التنوع ويؤمن بأن السلطة حقا حصريا للشعب، والثاني مشروع إمامي سلالي عنصري يرى الشعب قاصرا ويعتبر الحكم امتيازا وراثيا. تماما كما يراك عبدالملك الحوثي قاصرا يا محمد البخيتي، إذ لا يصح أن تكون بدلا عنه، لأن الله قد انتخبه زعيما لليمن، واختارك "عكفيا" خادما لهذا "الزعيم الإلهي" ولسلالته "المطهرة".
ويبقى السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرح على كل يمني:
هل نريد دولة تجمعنا قائمة على المواطنة المتساوية وتجرم العنصرية، أم حكم جماعة تخضعنا لخرافة "الولاية" وحكم "آل الزيت"؟

ننتظر اجاباتكم..