الحوثي والمساجد.. حين تتحول بيوت الله إلى أدوات للهيمنة والطائفية

في الوقت الذي تعد فيه المساجد رمزًا للوحدة والطمأنينة والعبادة، تعيش بيوت الله في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي واحدة من أسوأ فصول الانتهاك والتسييس حيث تحولت من منارات للهداية إلى منصات لفرض فكر طائفي دخيل، وثكنات عسكرية تخدم أجندة تتعارض مع هوية اليمن وتاريخه.
منذ تهجير أهالي دماج في عام 2011، بدأ مسلسل طويل من الانتهاكات المنظمة استهدف دور العبادة والعلماء وطلاب العلم ضمن مخطط يهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الديني في اليمن بالقوة، وطمس ملامح الهوية السنية المعتدلة التي عرف بها اليمن لعقود.
اليوم، لا يسمح إلا بخطاب واحد وإمام واحد وهو ذاك الذي يردد شعارات المليشيا ويخدم مشروعها، أكثر من 150 خطيبًا وإمامًا تم تهجيرهم أو اعتقالهم لأنهم رفضوا تسييس المنبر، وفي مناطق عدة تم تغيير أسماء المساجد التاريخية وفرض رموز دينية مرتبطة بالفكر الحوثي كجزء من عملية ممنهجة لطمس الرمزية الدينية والوطنية.
وتشير تقارير موثقة إلى أن أكثر من 750 مسجدًا تعرضت لانتهاكات متعددة بين هدم وتفجير وتحويل قسري إلى مراكز دعاية حزبية أو مواقع عسكرية، بل وصل الأمر إلى تخزين الأسلحة داخل المساجد واستخدام المآذن لأعمال قنص ضد المدنيين، في خرق صارخ لكل الأعراف والقوانين الدينية والدولية.
في صنعاء وحدها، تم تحويل أكثر من 200 مسجد إلى أماكن لتعبئة الأطفال ونشر الطائفية وفرضت دروس إلزامية تغسل أدمغة الأجيال تحت شعارات دينية مزيفة تخفي خلفها مشروعًا مذهبيًا خطيرًا.
هذا ليس خلافًا فقهيًا أو جدلًا فكريًا، بل هو تدمير ممنهج للنسيج الديني والاجتماعي اليمني ومحاولة لفرض هوية طائفية واحدة بقوة السلاح والخوف على حساب تاريخ من التعدد والتسامح.
كما لم تسلم المؤسسات التعليمية الشرعية فقد تم إغلاق مراكز تحفيظ القرآن وملاحقة طلاب العلم وتجفيف منابع الاعتدال، في إطار سياسة واضحة لضرب العمق الديني الوسطي في اليمن.
إن ما يجري في مناطق سيطرة الحوثي هو عبث بقدسية المساجد واستغلال لها لأهداف لا تمت للدين بصلة، ومحاولة خطيرة لتحويلها من بيوت لله إلى أدوات للسيطرة والتحريض.