السبت 7 يونيو 2025 01:51 مـ 11 ذو الحجة 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

العيد في القرية.. يومَ كانت تضحك القلوب.

السبت 7 يونيو 2025 02:45 صـ 11 ذو الحجة 1446 هـ
عبدالله العطار
عبدالله العطار

كان عيد الأضحى في القرية حدثا أسطوريا يفيض بعطر التربة، لا مكان فيه للترف... كانت النفوس غنية بالعيد كأنها تعيد تعريف الغنى.

مع تباشير ذي الحجة تبدأ القرى استعدادها النقي المكتفي بذاته ،يتوشح الرجال مباهج العيد ،أما الأمهات فهن فجر العيد وضياؤه، يوفرن اللوازم ، ويجهزن السمن البلدي ويوزعن جزءا منه على الجيران، يخبزن على "المافي" خبزا لا يشبه خبز المدن، ويصنعن "الفتة" الدخنية بلمسة تملؤها المحبة.

كان العيد طقسا اجتماعيا عميقا، يلم شتات الأسرة، يعيد للمنازل دفئها وللقلوب ألفتها.

تكبيرات العيد صباحا تهز الجبال وتوقظ الوديان، يخرج الرجل القروي بثوبه الأبيض المغسول، وربما مهترئا لكنه معطر بالنقاء ،يسير إلى المصلى يحمل في قلبه السلام، حتى لو كان جائعا أو مديونا...الناس في العيد متساوون مشاعرا ، يفرحون لا يحزنون.

أما الأطفال فهم ملوك العيد.. تقص شعورهم وتغسل أجسادهم ويلبسون ثيابهم الجديدة، ويشترى لهم من السوق "الطبش" ولو شيء بسيط، يكفي أن تضيء أعينهم ..كانوا يحيون القرية بألعابهم...يركضون ويعودون مع الغروب وروائح اللحم تملأ السماء.

فماذا بقي لنا من ذلك اليوم؟

الحرب مرت على المدن والقرى بريح سوداء وسحابة جرداء أحرقت خضرة العيد وفرحه ... البيوت لم نعد نسمع فيها ضحكات الأطفال، بل أنين الأمهات ..الأضاحي غابت عن معانيها، أبواب كانت تفتح منذ الفجر صارت موصدة إما بالخوف أو بالحزن أو بالفقد.

الزيارات شحت، والتواصل قطع بفعل الحرب التي مزقت الطرق والقلوب...أصبح العيد مناسبة للبكاء على الغائبين وللصمت بدل الضحك ،حتى التكبيرات وإن علت، لا تخفي صوت الحزن المتراكم في الصدور.

ومع ذلك فإن في قرى اليمن شيئا لا يموت،العيد يحتفل به رغم الجراح، الناس مؤمنون بأن الحزن إذا ضيق عليه انفجر وإن فسح له استراح.

فهل سيعود العيد كما نتمنى؟ هكذا يرجو اليمني كلما رفع يديه في دعاء...سيفتح الباب يوما وتركض طفلة بثوب جديد في "دارة" البيت الطيني ،وتضحك ضحكة تشبه تلك التي نسيناها منذ سنين.

في القرية العيد ليس وقتا وإنما ذاكرة متجددة،يبعث فيها فينيق الأمل من رماد الواقع، ويضيء الفرح من حجارة الألم ،هو وعد لا يتأخر او يموت.

عيدكم مبارك وسعيد