تعز والثقة المعمّدة بالتضحيات

في تعز نشطت أطراف مشبوهة خلال الفترة الأخيرة في محاولة إنجاز مهمة قذرة تهدف إلى اصطناع فجوة بين المؤسسة العسكرية والأمنية من جهة والحاضنة الشعبية من جهة أخرى، ونسي هؤلاء أو تناسوا أن هذه الحاضنة شكّلت طوال السنين الماضية مصدر الدعم والتأييد والحشد والمناصرة، وهو ما يعني حالة متقدمة من الامتزاج والقدرة على إدراك النوايا المشبوهة، وإن تغطت بستار الحقوق أو لبست قميص المظلومية الزائف.
اللافت أن جميع المؤشرات أكدت ولازالت أن الجهود الهادفة إلى التأثير في مستوى الثقة المتبادلة فشلت أمام حائط الإدراك والفهم العالي لدى الشارع التعزي، وهو ما حصر هذه الجهود المشبوهة في دائرة محدودة تظهِر حالة العجز عن قيادة الشارع أو توجيهه.
لقد عمد هؤلاء المشبوهون إلى استغلال الأحداث عبر تضخيمها وتجييرها بما يخدم أجندتها المافونة، ساعين لتصوير الأجهزة الأمنية والعسكرية وكأنها كيانات معادية لمصالح الناس، أو بعيدة عن همومهم، وهو ما تنفيه طبيعة الحالة الأمنية والعسكرية في تعز التي تؤكد أنه لا تقصير ولا إهمال، لكن صعوبات طبيعية خلفتها حالة سقوط الدولة إثر الانقلاب الحوثي المشؤوم، وجهود استعادتها من الصفر، والتي لا تزال قائمة، وفي حالة تطور مستمر.
لا شك ولا ريب في فشل المراهنين على الذاكرة القصيرة، أو المتوقعين ضحالة وعي الشارع، بينما تؤكد الوقائع أن هذا الشارع صار اليوم ومن خلال سنوات من التجارب يدرك عدوه من صديقه، وبات الوعي الجمعي في تعز يمتلك من النضج ما يكفي لفرز الغث من السمين، وإدراك الفرق بين الخطأ الذي يتم معالجته والإستراتيجية الهادفة لضرب الإنجازات وتصفية الحسابات، والجري وراء الأجندة المشبوهة، وأضحى أبناء هذه المدينة المقاوِمة يعرفون بالاسم والرسم أولئك الذين يتشدقون بالوطن، بينما يقفون بعيدًا عن المعركة الوطنية، ولم يثبت عنهم أن قدموا حضوراً أو دعماً حقيقياً في ساحاتها.
تستخدم هذه الأجندة المشبوهة المبالغة في تداول الشائعات والأخبار المفبركة عبر منابر إعلامية مدعومة بقوة، مع أنها محدودة التأثير، ومكشوفة الإدارة والتمويل، ظناً منهم أن تكرار الكذبة سيحولها حقيقةً في أذهان الناس، غير أن الحقيقة التي صدمتهم هي أن العلاقة بين المؤسسة العسكرية والأمنية والمجتمع التعزي تقوم على أساس من الثقة المعمدة بالتضحيات، وهو ما أحال كل الجهود المشبوهة إلى مجرد ضجيج لا يغيّر من الواقع المتلاحم شيئاً.
ما أتمناه هو ألا يفسر حديثي بطريقة خاطئة، فالمظلوميات الحقيقية لا بد أن تأخذ حقها من الإنصاف، وتحقيق العدالة، وسيادة القانون، وعدم السماح بالالتفاف عليها، أو تحويلها إلى سوط لضرب الأمن والسكينة في المدينة، وتحقيق مآرب أخرى لأطراف انتقامية يسكنها حُلُم تغيير المشهد القائم بآخر ارتهاني لا تستسيغه المدينة المقاومة، ولا يقبله أبناؤها، وقد رُدَّ على عقبيه مرات ومرات.
دمتم سالمين.