الثلاثاء 17 يونيو 2025 01:47 مـ 21 ذو الحجة 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

الولاية عند الشيعة وحديث خم أكبر تزوير في التاريخ (الحلقة الرابعة)

الثلاثاء 17 يونيو 2025 09:46 صـ 21 ذو الحجة 1446 هـ

صيغة حديث خم بطرق أخرى:

"عن يزيد بن حيان قال سمعت زيد بن أرقم - رضى الله تعالى- عنه يقول: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات يوم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله وخذوا به، فحث عليه ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي؛ أذكركم الله في أهل بيتي.. وكررها ثلاثاً" .. إذاً فأين أمر وصاية الولاية لعلي هنا من الرسول؟!

الحديث هذا المشهور كما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- في يوم عرفة بحجة الوداع، قال بعد طول الحديث المشهور عن المناسك ووضع الربا ودماء الجاهلية وغيرها: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً؛ كتاب الله"، فكتاب الله هو مصدر التشريع للأمة، فكيف يعطف موضوع الأهل على الكتاب وهو القرآن؟ هل يعني أن أهل بيته مصدر للتشريع؟! فالأهل بشر يخطئون ويصيبون وينحرفون ويستقيمون، فلا يصلح أن يكونوا مصدراً للتشريع سوى الوصية خيراً بهم من الصلة والحب، وبالطبع هم الذين كانوا في عهده -صلى الله عليه وسلم. وبين الحديثين تسعة أيام فقط، وهذا يظهر تناقض الروايات، وحاشاه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول كلاماً متناقضاً وقد أوتي جوامع الكلم ومعجزة البلاغة والفصاحة.

ففي حديث جابر بن عبد الله الذي رواه مسلم برقم (1218) من طريق حَاتِم بْن إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- حديث حجة الوداع، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطبهم بعرفة من حديث طويل في المناسك، وقال: "... وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟"، قَالُوا: "نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ "اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" ، وفي هذا الحديث لم يذكر لا سنة النبي ولا عترته.

وهكذا رواه أبو داود، وابن ماجه، وابن أبي شيبة، وابن حبان، والبيهقي، والطحاوي في "مشكل الآثار" من طرق عن حاتم به ، بذكر الوصية بكتاب الله فقط.

ورواه الترمذي، والطبراني في "الأوسط" من طريق زَيْد بْن الحَسَنِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ به بلفظ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي".

وقال الطبراني عقبه: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِلَّا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ".

وزيد بن الحسن لا يحتج به، قال أبو حاتم: منكر الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات.

ونجد اضطرابات في رواية الحديث وألفاظه زيادة ونقصاً، ورواة مشكوك في صحة روايتهم، وهذا يرجح أنه لا عقلاً ولا منطقاً أن تكون العترة معطوفة على القرآن كمصدر للتشريع، فهو لم يعطف السنة كأصل من أصول التشريع، فما بالنا بما يسمى العترة، وقد كانت ألفاظ الحديث بالوصاية بهم خيراً فقط، وهم جيله الأول من بناته ونسائه فقط، وهذا ما فهمه الخلفاء الراشدون وطبقوه، وسلم به علي ذاته.

أما الوصية بالسنة: فروى الإمام مالك بلاغاً أن رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ".

قال ابن عبد البر - رحمه الله: "وَهَذَا مَحْفُوظٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، شُهْرَةً يَكَادُ يُسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الْإِسْنَادِ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ أَحَادِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2937).

ولم يفهم من صيغ الحديث أية إشارة لولاية علي بالخلافة أو بالولاية؛ فالولاية هنا بمعنى الحب والنصرة والأخوة الإيمانية، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

ففي حديث عمر - رضي الله-، كما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن عبدالرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أن رجلاً رمى رجلاً بسهم فقتله، وليس له وارث إلا خال، فكتب بذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر، فكتب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له" ، وهو هنا بمعنى: أنه صاحب من لا صاحب له، أو راعي من لا راعي له، ولم يفهم أبداً منها الولاية العامة التي هي إمارة المسلمين أو الخلافة عليهم، وهذا يدحض ما تذهب إليه الإمامية والشيعة عموماً والحوثية اليوم وارثة الإمامة.

وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن رياح بن الحارث قال: "جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا.. فقال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قوم عرب؟! قالوا: سـمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم: "من كنت مولاه فهذا مولاه"، .. قال رياح: فلما مضوا اتبعتهم فسألت من هؤلاء؟.. قالوا: نفر من الأنصار، فيهم أبو أيوب الأنصاري".

لم يفهم علي كلام النفر (المولى) على أنه أمر الولاية والخلافة أو الإمامة، بل استنكر منهم مناداته بـ يا مولانا، لو كان يراها مرادفة لـ "يا أميرنا" أو يا "إمامنا" لما استنكر على القائلين تلك المناداة.

وبين حادثة (غدير خم) ووفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – تقريباً سبعون يوماً فقط، وبإجماع الشيعة لأنهم يقولون إن حادثة الغدير حصلت في الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة في طريق عودة النبي من حجة الوداع، واتفاق الكل أن وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – حصلت في الثامن والعشرين من صفر للسنة الحادية عشر للهجرة فتكون المدة بين الغدير ووفاته – صلى الله عليه وسلم – سبعون يوماً، فهل يعقل أن ينسى الصحابة في هذه المدة الوجيزة الاستدلال بهذا الحديث وأن يهملوه، كيف أمكن لمائة ألف من الصحابة ،كما يعتقد الشيعة بعد سبعين يوماً من هذه الحادثة أن ينسى جميع المبايعين قاطبة هذه البيعة ويتجاهلونها ويجحدونها، إنه لن يحدث في تاريخ الدنيا شيء شبيه بهذا أبداً.

ثم إنه كان بين يوم عرفة الذي خطب فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- خطبته العصماء "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي؛ كتاب الله..." وبين غدير خم تسعة أيام فقط، فكيف نسي الناس الحديث الأول وتمسكوا بالحديث الثاني؟!

أو لنقل: هل يعقل أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ناقض في الحديث الثاني حديثه الأول وهو الذي أوتي جوامع الكلم، والفصاحة والبلاغة؟! حاشاه أن يكون متناقضاً في أحاديثه.

ثم هل يمكن أن لا يصرح صراحة بالولاية والإمامة لعلي أو لغيره فيترك الأمور مواربة بغير توضيح لو أراد الاستخلاف؟!!

...يتبع