إنتهت قوة إيران..!

بعد الضربات المدمرة والموجعة لأهم المنشآت العسكرية الإيرانية نووية ومصانع ومخازن صواريخ وبنى تحتية وأعمدة النظام الإيراني، كان العالم يترقب رداً كبيراً من حكام طهران يثأرون به لكرامتهم وسمعتهم واستباحة بلادهم، لكن أياً من ذلك لم يحدث، وبدت طهران في أضعف حالاتها!
صُدم العالم، وذهل المتعاطفون وغير المتعاطفين من هذا البرود في الردود الإيرانية، رغم بعض المحاولات لزخات صواريخ على دفعات متعددة لم تحدث فارقاً على المدن الإسرائيلية، ناهيك عن انعدامها في الجانب الأمريكي، مستهدفة بعض الأبراج السكنية وميناء حيفا، ولم يشكل ذلك فرقاً في صلب الكيان الصهيوني.
يبدو أن قوة إيران ضُخِّمت أكثر من واقعها، واعتمد ملالي إيران على الهالة الإعلامية والخرافة الفكرية التي يقوم عليها النظام الثيوقراطي بعيداً عن حالات الردع المؤمَّلة والتي هزمت كل المتعاطفين معها نفسياً وحطمت معنوياتهم، لينكشف الغطاء عن هشاشة غير متوقعة، وبعبع ملأ الدنيا ضجيجاً دون أثر إلا من تفريخ إرهابي لمليشيات مسلحة مرتبطة روحياً ومادياً بنظام طهران.
الصواريخ الإيرانية التي كان يتم الترويج لها أنها عابرة للقارات؛ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، وأنها ستصيب أهدافها بدقة، لم تصل إلى ربع تلك السمعة، ورغم أنها قطعت مسافة لا بأس بها فعلاً من طهران إلى دولة الكيان إلا أن أضرارها لم تكن ذات أثر كبير، وسقطت سمعتها وسمعة البلاد معها.
غالباً ما كنا نقرأ عن الصواريخ المجنحة وخاصة صاروخ كروز الذي كانت سمعته كبيرة أثناء ضرب العراق وأفغانستان في بداية التسعينيات أو بداية الألفية الثالثة أثناء الغزو وما يحدثه من دمار كبير، إلا أننا حينما كنا نشاهد تلك الصواريخ الإيرانية سواء التي تطلقها مليشيا الإرهاب الحوثي أو إيران على الكيان كأن شيئاً لم يكن، ولم تكن بتلك السمعة المعروفة، ما جعلني أكثر من مرة أشكك بها وأقول إن وراء الأكمة ما وراءها من هذا الترويج!
يبدو أنه كان يتم التضخيم لسمعة تلك الصواريخ، ومطلقيها، ومصنعيها لأهداف معينة تتكشف على مراحل؛ منها: تضخيم قوة الخصم حتى يتسنى البحث عن ذرائع لتدميره، أو تهديد المنطقة بها لابتزازات معينة، أو تسويقه لفرضه على أرض الواقع.
المدهش في كل هذه الحرب هو أن طهران جهلت كل منشآتها الاستراتيجية مكشوف من غطاء الدفاعات الجوية، وأنها أفقر ما يكون إلى هذه الدفاعات، مما جعل استهدافها أمراً سهلاً حتى أدهش المعتدين عليه، كيف لنظام يبعث الرعب في المنطقة أن يكون هشاً إلى هذه الدرجة ودون غطاء جوي!
عملياً، وبعد خيبة الأمل من الردود الإيرانية وعملية الثأر التي تهدد بها على الدوام، أنهت سمعة إيران، وأنهت قوتها العسكرية، ولم يبق لها إلا قوتها الفكرية المؤثرة على من يرتبط بها روحياً كحاملة للمشروع الشيعي في العالم، وما تستطيع أن تقوم به من تفريخ مزيد من المليشيا التخريبية في البلدان العربية والإسلامية.
في الحقيقة تفريخ هذه المليشيات الطائفية المسلحة والمتعددة في أكثر من بلد عربي هو بحد ذاته لا يقل خطورة عن القنبلة النووية؛ لأن هذه المليشيات فعلاً تدمر هه الشعوب، وما ينتج عنها من خراب ودمار ودماء يكون بحجم ضرر قنبلة نووية إذا ما أحصينا دمار ودماء العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهذا ما تحافظ عليه أمريكا في النظام الإيراني ولا تسعى لتغييره لحاجتها له.
كانت أسلحة حزب الله التي عرضتها إسرائيل كافية لتحقيق نصر كبير عليها إن استعملت في الزمان والمكان المناسبين؛ خاصة بعد طوفان الأقصى، أو تم بها مساعدة المقاومة الفلسطينية وتوحدت جهود الجميع في مواجهة المشروع الإسرائيلي، وكان الحزب أهم مخلب لإيران تم القضاء عليه تمهيداً للقضاء على قوة إيران، فيما كانت إيران تعول أيضاً على المليشيا الحوثية في عمل شيء ما يساعدها على المناورة والصمود والمحافظة على جزء يسير من سمعتها، لكن الصدمة الأخرى التي تلقتها إيران أن الحوثية تراوغ وتناور ببعض الصواريخ التي لا أثر لها على أرض الواقع، رغم أن الحوثية هددت بضرب البوارج والسفن الأمريكية إن شاركت أمريكا في ضرب إيران إلا أنها لم تنفذ تهديداتها حتى الآن، بينما في حقيقة الأمر فإن هذه المليشيا تم تحييدها من قبل أمريكا، وربما أدخلتها تحت جناحها لتكون أداة بيد أمريكا لا بيد إيران.
صرحت إيران اليوم أن الصواريخ التي تم إطلاقها على إسرائيل كانت من اليمن وليس من طهران؛ مما يجعلنا نقرأها من زوايا مختلفة، وأهمها أن إيران تريد توريط اليمن لمزيد من تدميرها وإبعاد الضرر على نظامها، وأنها تتبرأ من مليشياتها الحوثية، أو في المقابل ما زالت تلوح بوجود بعض أوراقها في المنطقة!
إن أهم مظهر من مظاهر الضعف الإيراني هو انكشافها واختراقها من الداخل، ووجود مصانع لطيران مسير إسرائيلي في قلب طهران، ووصول عملاء الموساد إلى أهم أعمدت النظام الإيراني، وكنا ننتظر المعاملة بالمثل من إيران تجاه إسرائيل إلا أن أياً من ذلك لم يتم، بينما كان ملالي إيراني غارقين في الخرافة والعيش في الوهم المنتظر.
سيصحو الشعب الإيراني من صدمته في نظامه، وأعتقد أن الشعب الإيراني هو من سيقول كلمته النهائية في نظام الملالي الذي يبدو أنه لا يتفق معه كثيراً، والدليل عمليات الاختراق المتعددة، وعدم تحرك الشعب في مظاهرات مؤيدة أو مناصرة لنظامه، ناهيك عن مظاهر السخرية والاحتفالات التي أبدتها بعض مواقع التواصل الاجتماعي لكثير من العمليات ضد النظام.
تخوفات النظام الإيراني من تحرك شعبي ضده جعله يستقطب متطوعين مؤيدين له للاستعداد المبكر لمواجهة أية تحركات شعبية بعمليات قمع كبيرة كتلك التي حدثت في أعوام2009، 2012 و2014، و2016 إلى عام 2020م، وليس لاستقبال متطوعين لحرب خارجية مع الكيان الصهيوني.
بقي نقطة واحدة، وورقة واحدة تلوح بها طهران، وهي إغلاق مضيق هرمز لضرب التجارة العالمية ومصالح دول المنطقة، غير أن هذه الورقة لن تفلح البتة وإلا لكانت استخدمتها منذ وقت مبكر لثلاثة أسباب وجيهة جداً، وهي:
- أنها خطوة الانتحار الأخيرة بخلق تحالف دولي واصطفاف إقليمي ضد بقية النظام لإسقاطه
- أن عملية الإغلاق هذه تحتاج إلى قوة فارضة على الأرض وهو الأمر الذي باتت تفتقره طهران حالياً
- أن إيران والعراق ستكونان أكبر المتضررين من هذا الإغلاق.