اليمن يتراجع دوليًا: جواز السفر اليمني في المرتبة الثالثة عربيًا والرابعة عالميًا ضمن أضعف الجوازات

يواصل اليمن تدهوره الملحوظ على الساحة الدولية، حيث حلّ جواز السفر اليمني في المرتبة الثالثة عربيًا والرابعة عالميًا ضمن قائمة أضعف جوازات السفر في العالم، وفقًا لأحدث تقرير صادر عن مؤشر "هينلي للجوازات" (Henley Passport Index)، أحد أبرز المؤشرات العالمية التي تقيس حرية التنقل الدولي بناءً على بيانات الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA).
وأظهر التقرير أن المواطن اليمني لا يستطيع دخول سوى 32 دولة فقط دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقة، وهو رقم يُعد من الأدنى على مستوى العالم، ويعكس حجم العزلة الدبلوماسية التي تعاني منها اليمن منذ سنوات، نتيجة التداعيات الممتدة للحرب المستمرة، والأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية الخانقة التي تضرب البلاد منذ أكثر من عقد.
ويضع هذا التصنيف اليمن في مصاف الدول التي تشهد أوضاعًا استثنائية، حيث تتشارك المرتبة المتأخرة مع دول مثل سوريا والعراق والصومال، والتي تعاني جميعها من تداعيات النزاعات، وضعف السيطرة الحكومية، وانكماش العلاقات الدبلوماسية، ما يزيد من تقييد حرية تنقل مواطنيها، ويُصعّب عليهم السفر للعلاج، أو الدراسة، أو العمل، أو حتى لمُجرد زيارة الأقارب.
وأكد خبراء في الشأن السياسي والدبلوماسي أن ضعف جواز السفر اليمني ليس مجرد مسألة تقنية، بل هو مؤشر صادق على انهيار البنية الدستورية والسياسية للدولة، وتراجع نفوذها على الساحة الدولية، وفقدانها لقدر كبير من السيادة والاعتراف العالمي، لا سيما في ظل انقسام المؤسسات الحكومية، واستمرار الحرب، وغياب دولة مركزية فاعلة.
في المقابل، كشف التقرير عن اتساع هائل في الفجوة العالمية في حرية التنقل بين الدول الأقوى والأضعف. فقد تصدرت سنغافورة القائمة العالمية بإمكانية دخول مواطنيها إلى 193 وجهة دون تأشيرة، تلتها كل من كوريا الجنوبية واليابان، فيما حافظت دول أوروبية رائدة مثل ألمانيا وفرنسا على مراكز متقدمة، ما يعكس متانة علاقاتها الدبلوماسية، واستقرارها السياسي، وقدرتها على التفاوض على اتفاقيات تأشيرات متبادلة.
وعلى الصعيد العربي، واصلت الإمارات العربية المتحدة هيمنتها على التصنيف الإقليمي، حيث احتلت المرتبة الثامنة عالميًا، والأولى عربيًا، مع إمكانية لمواطنيها الوصول إلى 183 دولة دون تأشيرة. ويعكس هذا الترتيب القوي حضور الإمارات الدبلوماسي الواسع، ونجاح سياستها الخارجية في بناء تحالفات استراتيجية، وتعزيز الشراكات الاقتصادية والسياسية على مستوى عالمي.
ويُظهر تقرير "هينلي" فجوة صادمة تبلغ أكثر من 160 وجهة بين الجوازات الأقوى والأضعف، في تذكير صارخ بأن جواز السفر لم يعد مجرد وثيقة سفر، بل أصبح مؤشرًا حيويًا على قوة الدولة ونفوذها، واستقرارها الأمني والاقتصادي، وقدرتها على تمثيل مواطنيها في العالم.
ويعكس هذا الواقع المرير في اليمن معاناة المواطنين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بجواز سفر لا يفتح لهم أبواب العالم، في وقت تزداد فيه احتياجاتهم للسفر للعلاج، أو لمُتابعة شؤون لاجئين، أو لمُجرد الهروب من واقع معيشة متداعٍ. كما يُبرز التقرير كيف أن الحروب والانقسامات الداخلية تُترجم إلى عزلة دولية، تطال حتى أبسط حقوق الإنسان: حق التنقل.
ويُنظر إلى هذه النتائج كنداء عاجل للمجتمع الدولي، وللأطراف اليمنية، بضرورة التحرك الجاد نحو إنهاء الحرب، وتوحيد المؤسسات، واستعادة السيادة الوطنية، ليس فقط لتحسين الأوضاع المعيشية، بل أيضًا لاستعادة مكانة اليمن في الخارطة الدولية، وتمكين مواطنيها من استرداد حقهم في التنقل بحرية وكرامة.
جواز السفر ليس مجرد ورقة، بل هو مرآة للدولة. وفي حال اليمن، فإن هذه المرآة تعكس صورة مؤلمة لدولة مُنهكة، لكنها تظل تحمل في طياتها أملًا في النهوض من جديد.