”فيديو يُظهر تقبيل صندوق يحتوي ”شعر النبي”.. ما الحقيقة وراء هذه المزاعم؟”

أثار مقطع فيديو انتشر مؤخرًا على منصات التواصل الاجتماعي جدلاً واسعًا، بعد توثيقه لمشهد ديني مثير للجدل في العاصمة العراقية بغداد، يُظهر عرض ما يُزعم أنه شعرة من شعر النبي محمد ﷺ، وتقبيلها من قبل الزوار للتبرك بها.
216.73.216.36
ويُظهر الفيديو، الذي تم تصويره داخل ما يُعرف بـ"الحضرة الحنفية" – وهي مبنى ديني يُعتقد بأنه يحتضن مقتنيات تاريخية ودينية – صندوقًا خشبيًا صغيرًا مغلقًا، يُقال إن بداخله عدد من شعرات النبي محمد ﷺ.
ويقف بجانب الصندوق شخص يرتدي ملابس تقليدية، يقوم باستخدام منديل ورقي لمسح سطح الصندوق بين كل مرة يقبّل فيها زائر الصندوق، في إجراء يُفهم منه محاولة للحفاظ على النظافة أو منع انتقال العدوى، لكنه في الوقت نفسه أثار تساؤلات حول الطريقة التي تُعامل بها مثل هذه المقتنيات.
وتُظهر اللقطات الزوار وهم يتوافدون على الصندوق واحدًا تلو الآخر، ويُقبّلونه بخشوع، في مشهد يعبر عن التبرك والاعتقاد بقداسة المكان والشيء المعروض. ورغم عدم وجود أي إثباتات علمية أو تاريخية موثقة على أصالة الشعرة، فإن الإيمان الشعبي بالمقتنيات النبوية يظل حاضرًا بقوة في بعض الدوائر الدينية والشعبية.
وسرعان ما تفاعل النشطاء مع الفيديو، مُظهرين مواقف متباينة. ففي حين اعتبره البعض تعبيرًا عن التمسك بالهوية الدينية والتقرب إلى النبي ﷺ، انتقده آخرون بشدة، معتبرين أن مثل هذه الممارسات تقع في دائرة "البدعة" أو حتى "التمثيل الخرافي"، مشيرين إلى أن الإسلام يحث على احترام النبي ﷺ لكن دون تبجيل مبالغ فيه لمقتنياته أو تحويلها إلى وسيلة للتقرب الإلهي.
وأثار الحدث تساؤلات حول الإشراف الرسمي على مثل هذه المواقع، وغياب أي رقابة دينية أو علمية على ما يُعرض باسم التراث النبوي. ودعا ناشطون دينيون وحقوقيون إلى تشكيل لجان متخصصة من علماء التاريخ والشريعة والآثار للتحقيق في صحة هذه المزاعم، ومنع استغلال المشاعر الدينية لمآرب قد تكون تجارية أو دعائية.
ويُذكر أن "الحضرة الحنفية" تقع في منطقة قديمة من بغداد، وتُعد من المواقع التي يُعتقد أنها تضم آثارًا إسلامية مهمة، لكنها تفتقر إلى الاعتراف الرسمي من المؤسسات الدينية أو الأثرية الكبرى، مما يفتح الباب أمام الشكوك حول محتوياتها.
وفي ظل غياب تفسير رسمي من القائمين على الموقع، يبقى الجدل مفتوحًا حول الحد الفاصل بين التعبير الديني المشروع والانزلاق نحو الممارسات التي قد تُفهم على أنها تجاوز للثوابت الشرعية.
وتُطرح تساؤلات جوهرية: إلى أي حد يمكن التبرك بمقتنيات نبوية غير مؤكدة الأصل؟ وكيف يمكن الموازنة بين الإيمان الشعبي والحفاظ على النصوص والمنهج السليم؟
الفيديو، بكل ما أثاره من مشاعر وانقسامات، يُعد شاهدًا على تعقيد العلاقة بين الدين والتراث والشعائر الجماهيرية في العالم الإسلامي اليوم، ويستدعي إعادة النظر في كيفية التعامل مع المقدسات، بعيدًا عن العاطفة فقط، وباتجاه الرصانة العلمية والدينية.