الخميس 11 سبتمبر 2025 06:07 مـ 19 ربيع أول 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

لا يأخذون ضرائب... بل يأخذون رزقك! كيف تُجبر الأسر في الدريهمي على تمويل الحرب؟

الخميس 11 سبتمبر 2025 07:19 مـ 19 ربيع أول 1447 هـ
الدريهمي
الدريهمي

في وقتٍ يُفترض أن يكون موسم الحصاد فيه فرصةً للمزارع اليمني لالتقاط أنفاسه، وتأمين قوت أسرته، وسداد ديونه المتراكمة من تكاليف الزراعة الباهظة، يجد مزارعو مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة أنفسهم أمام واقعٍ مريرٍ يُجهض آمالهم، ويُحوّل عرقهم إلى وقودٍ لآلة الحرب. فمحاصيل التمور التي يفترض أن تكون مصدر رزقٍ يقيهم شبح الجوع والفقر، تُنتزع منهم قسرًا، وتُساق إلى جبهات القتال تحت مسمى "قوافل غذائية"، تاركةً وراءها أرضًا مُنهكة، ووجوهًا مُتعبة، وقلوبًا مثقلة بالخذلان.

"قوافل غذائية" أم جبايات قسرية؟

216.73.216.105

وفقًا لمصادر محلية موثوقة، أقدمت مليشيا الحوثي الإرهابية على إجبار مزارعي مديرية الدريهمي على تسليم كميات كبيرة من محصول التمور دون مقابل، في إطار ما تسميه "قوافل دعم المجهود الحربي". وقد سيّرت المليشيا خلال الأيام الماضية ثالث قافلة تمور من المديرية خلال أقل من شهر واحد — خطوةٌ وصفها الأهالي بأنها "استمرارٌ ممنهج لسياسة النهب المنظم" تحت غطاء وطني زائف.

وأشارت المصادر إلى أن عملية التحشيد والإجبار تمت بإشراف مباشر من قيادات حوثية تتبع ما يُعرف بـ"شعبة التعبئة" — الجهة المسؤولة داخل هيكل المليشيا عن تنظيم حملات الجباية القسرية، وفرض "الضرائب" على المواطنين، سواء من المحاصيل الزراعية أو الأموال النقدية، بذريعة "دعم المقاتلين" و"الصمود في مواجهة العدوان".

زراعةٌ تُكافح من أجل البقاء... والحرب تسرق نتاجها

يعاني مزارعو الحديدة — وخاصة في المناطق الريفية مثل الدريهمي — من أزمة إنتاجية خانقة، ناتجة عن:

  • ارتفاع غير مسبوق في تكاليف الزراعة والري، بسبب ندرة الوقود وغلاء أسعاره.
  • شحّ المدخلات الزراعية الأساسية، من أسمدة وبذور وأدوات ري.
  • تدهور البنية التحتية للري والطرق الزراعية، نتيجة الإهمال والصراع.
  • غياب أي دعم حكومي أو إغاثي حقيقي للمزارعين، الذين يعتمدون كليًا على جهودهم الذاتية.

وفي ظل هذه الظروف القاسية، يأتي فرض "القوافل الغذائية" ليُضاعف المعاناة. فكثير من المزارعين لم يعودوا قادرين على تحمل الخسائر المتكررة، فاختاروا إما بيع منتجاتهم بأسعار زهيدة لتجار الجملة، أو العزوف كليًا عن الزراعة في المواسم القادمة — ما يهدد بإفراغ الأراضي الزراعية، وزيادة معدلات الفقر والجوع في منطقة كانت يومًا ما سلة غذاء اليمن.

الأمن الغذائي على المحك... والفلاح البسيط الخاسر الأكبر

يحذر أهالي الدريهمي من أن استمرار هذه الممارسات الحوثية يُهدد الأمن الغذائي المحلي، ويُفاقم الأزمة الإنسانية في المحافظة. فبدلًا من تشجيع المزارعين على الإنتاج، ودعمهم لتعافي القطاع الزراعي، تُصادر المليشيا جهودهم وتُحوّلها لخدمة آلة الحرب، فيما يبقى الفلاح البسيط رهين معادلة قاسية: بين مطرقة التكاليف الباهظة، وسندان الجبايات القسرية.

يقول أحد المزارعين، طلب عدم الكشف عن اسمه خوفًا من الانتقام:

"نزرع بدموعنا، ونحصد بآلامنا... ثم يأتون ويأخذون كل شيء باسم 'الجهاد'، ونحن لا نملك حتى قوت يوم أطفالنا. أي عدالة هذه؟ وأي حرب هذه التي تأكل الأخضر واليابس؟"

نداءٌ إنساني... قبل فوات الأوان

يُطالب أهالي الدريهمي والمنظمات الحقوقية والإنسانية، المجتمع الدولي والحكومة اليمنية، بالتدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات، وحماية المزارعين من سياسات النهب والتجويع التي تمارسها المليشيا الحوثية. كما يدعون إلى:

  • إدراج هذه الممارسات ضمن تقارير انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
  • الضغط على المليشيا لوقف الجبايات القسرية تحت أي مسمى.
  • دعم المزارعين اليمنيين ببرامج إغاثية وزراعية عاجلة لإنقاذ الموسم القادم.

بينما يُفترض أن يكون التمر — رمز البركة والرزق في اليمن — مصدر عيشٍ وحياة، أصبح في الدريهمي رمزًا للقهر والسلب. فهل يُعقل أن يُجبر فلاحٌ قضى عامًا كاملاً تحت شمسٍ حارقة، يسقي ويعتني بشجرة، ليُسلب محصوله في لحظة باسم "الحرب"؟
إن استمرار هذا الواقع لا يهدد فقط مزارعي الحديدة، بل يُنذر بكارثة غذائية شاملة، تبدأ من الحقل، وتنتهي على مائدة الطفل الجائع.

موضوعات متعلقة