تسريح موظفين أمريكيين يزعزع المصالح التركية في سوريا

أثار تسريح عدد من كبار الدبلوماسيين الأمريكيين المعنيين بالملف السوري في إسطنبول، والذين كانوا يعملون ضمن "المنصة الإقليمية لسوريا"، تساؤلات حول توجهات السياسة الأمريكية، وربما تبايناً في وجهات النظر بين هؤلاء الدبلوماسيين والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم برّاك حول ملف قوات سوريا الديمقراطية وعلاقتها بالحكومة السورية.
حيث قال أحد المصادر التي تحدثت إلى رويترز، وهو مصدر دبلوماسي أمريكي، أن رحيل هؤلاء لن يؤثر على السياسة الأمريكية في سوريا، وأن قرار الاستغناء عنهم لم يكن بسبب خلافات بشأن السياسة بين الموظفين وبرّاك أو البيت الأبيض. كما أضاف بأن إنهاء مهام الموظفين جاء في إطار "عملية إعادة تنظيم للفريق". إلا أن مصادر دبلوماسية غربية وأمريكية أخرى أكدت أن هذه الخطوة كانت غير طوعية ومفاجئة، وتمت في نهاية الأسبوع الماضي، دون أن تُكشف الأسباب الرسمية الكامنة وراءها.
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها لا تعلق على "قرارات الموظفين أو عمليات إعادة التنظيم الإدارية"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن "الفريق الأساسي العامل على قضايا سوريا ما زال يمارس مهامه من عدة مواقع مختلفة". فيما قال دبلوماسي غربي إن من أسباب الاستغناء عن الدبلوماسيين الأمريكيين "اختلاف" في وجهات النظر بين الموظفين وبرّاك بشأن مسألة قوات سوريا الديمقراطية والشرع، دون الخوض في التفاصيل.
وهنا تبرز علاقة هذا التحرك بالمصالح التركية، حيث تتضارب الرؤى الأمريكية والتركية في سوريا، خاصة فيما يتعلق بملف الأكراد. فبينما تسعى واشنطن إلى تطبيق الفدرالية في سوريا، تدعم تركيا الحكومة السورية المؤقتة المركزية، بدلاً من تشكيل نظام فيدرالي مكون من مناطق تحكم ذاتها بشكل شبه ذاتي، وتراهن على بناء منطقة آمنة على حدودها، وترسل حوالي 20 ألف جندي تركي الى شمال سوريا وتحث على نزع سلاح الأكراد بالقوة.
وتوجّه واشنطن يأتي في ظل إستمرارها في دعم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وتملص الأخيرة من التفاهمات التي أبرمتها مع حكومة دمشق في آذار/ مارس الفائت والتي نصت على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافّة في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية. وهو ما يشكل نقطة خلافية حادة ما بين الأتراك وأمريكا، حيث يشكل الأكراد خطراً جسيماً على حدود تركيا الجنوبية لأنها تعتبر "قسد" متحالفة مع حزب العمال الكردستاني، الذي خاض صراعاً مسلحاً ضد تركيا لعقود، ناهيك عن وجود نحو 20 مليون كردي في تركيا.
وبنظر الخبراء، فإن تسريح فريق برّاك المتواجد في تركيا منذ فترة يأتي ربما بسبب الهيمنة التركية على عمل هذا الفريق من ناحية الأخذ بالاعتبار مصالح أنقرة وتوجهاتها نحو سوريا، وليونته في مسألة دمج الأكراد في الحكومة المركزية في دمشق رغم رفضهم، مما خلق انطباعاً بأن الولايات المتحدة تتطابق مصالحها مع تركيا.
ويرى الخبير الاستراتيجي السوري وليد العبد أن الولايات المتحدة تهدف إلى إقصاء تركيا من المعادلة السورية بسبب هيمنتها على الحكومة المؤقتة وتعارض مصالحها مع المصالح الأمريكية، خاصة في ظل عدم رغبة واشنطن في تسليم حقول النفط السوري المتواجدة في مناطق سيطرة قسد للإدارة السورية الجديدة. بينما تحاول أنقرة الحفاظ على نفوذها عبر التعامل مع الحكومة المؤقتة، ودفعها نحو حل المسألة الكردية بطريقة عسكرية في ظل انسداد الحل السياسي.
يُشار الى أن العلاقات السورية الأمريكية شهدت تطوراً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، حيث اتسمت بسلسلة من اللقاءات المكثفة بين مسؤولي البلدين والتي هدفت إلى استقرار سوريا وإعادة دمجها في المحيط الإقليمي والدولي. فقد مثّل لقاء الرياض في مايو 2025 بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأمريكي دونالد ترامب نقطة تحول جوهرية، حيث أعلن ترامب عن بدء رفع العقوبات الأمريكية تدريجياً عن سوريا.
وفي إطار هذه التقارب، تم تعيين السفير الأمريكي في تركيا توماس برّاك مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، حيث قام بجولة شملت إسطنبول والرياض وعمان ودمشق، ورفع العلم الأمريكي فوق مقر إقامته في سوريا في خطوة رمزية تدل على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة طويلة. كما ناقش برّاك مع القادة السوريين خططاً لتعاون اقتصادي يشمل مشاريع بنية تحتية كبرى، مثل بناء محطات توليد الكهرباء.
كما امتد هذا التقارب إلى الملف الإسرائيلي، حيث تولت واشنطن دوراً وسيطاً في المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل، والتي هدفت إلى تهدئة التوترات في الجنوب السوري، حيث أبدى الشرع مرونة تجاه مطالب أمريكية تتضمن انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما أكد التزامه باتفاق فك الاشتباك لعام 1974 كأساس لأمن الحدود.
وبنظر العبد فإن واشنطن بجميع تحركاتها تخدم المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في المرتبة الأولى ومن ثم مصالحها، والوجود التركي عسكرياً في سوريا لا يحقق مصالح اسرائيل وهو ما تم اثباته مرات عدة من خلال قصف الطائرات الاسرائيلية لقوافل تحمل امدادات عسكرية تركية في عدة مناطق من سوريا. كما أن مسألة رفع العقوبات الأمريكية تدريجياً عن سوريا لم تتحقق لأن الاسرائيليين لا يزالون يرون أن حكومة دمشق جهة معادية ويصنفون جميع شخصياتها بما فيهم الرئيس الشرع بالارهابيين.
216.73.216.118