الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 11:12 مـ 1 ربيع آخر 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

”انتهى ما لا يُنتهى!” — كيف أنهى مشايخ الصبيحة نزاعاً دام 14 عاماً بـ 75 مليون ريال... والشرط الصادم لأي عودة للثأر!

الأربعاء 24 سبتمبر 2025 12:45 صـ 2 ربيع آخر 1447 هـ
صلح قبلي
صلح قبلي

في خطوة وصفها المراقبون بأنها "علامة فارقة في مسار المصالحات القبلية"، تم اليوم الثلاثاء الموافق 23 سبتمبر 2025، الإعلان رسمياً عن حل واحدة من أعقد وأطول قضايا الثأر التي شهدتها منطقة الصبيحة في محافظة لحج، والمعروفة إعلامياً بـ"قضية القصير"، والتي تعود جذورها إلى عام 2011، حين أسفر نزاع مسلح عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.

216.73.216.39

وقد عُقدت الجلسة الختامية للنطق بالحكم في منزل العميد حمدي شكري، أحد أبرز القيادات العسكرية في المنطقة، والذي لعب دوراً محورياً في رعاية المفاوضات وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، وذلك بحضور رسمي واسع ضم نخبة من مشايخ ووجهاء قبائل الصبيحة، إلى جانب قيادات عسكرية وأمنية رفيعة المستوى، في مشهد يعكس عمق التوافق المجتمعي حول ضرورة إنهاء هذا الملف الذي ظل يلقي بظلاله على المنطقة لأكثر من عقد ونصف.

الأطراف المتصالحة:

تم التوصل إلى التسوية بين طرفين ينتميان لنفس العائلة، وهما:

  • الطرف الأول: عبده سالم أحمد عوض القصيري وأسرته.
  • الطرف الثاني: عبده علي سليمان عوض القصيري وأسرته.

وقد تمت المصادقة على بنود الاتفاق من قبل مفوضين رسميين عن كلا الطرفين، بعد مفاوضات مكثفة استمرت عدة أشهر، وبإشراف لجنة تحكيمية مكونة من أعيان ومشايخ المنطقة، وبمساندة أمنية وعسكرية لضمان تنفيذ البنود وتحقيق الاستقرار.

بنود التسوية التاريخية:

أعلن خلال الجلسة عن ثلاثة بنود رئيسية تم التوافق عليها، وهي:

1. التعويض المالي الشامل: تم الاتفاق على دفع مبلغ إجمالي قدره 75,000,000 ريال يمني (خمسة وسبعون مليون ريال)، يشمل تعويضات لأسر القتلى الثلاثة، وتعويضات للجرحى، بالإضافة إلى تغطية تكاليف العلاج والأرش والخسائر المادية التي نتجت عن الحادثة، وذلك وفقاً للعرف القبلي والمبادئ القانونية المعمول بها.

2. الإغلاق القانوني والقضائي النهائي: بعد توقيع الاتفاق من قبل الأطراف المفوضة، سيتم إغلاق الملف رسمياً في جميع المحاكم والنيابات المختصة، مع الشروع فوراً في إجراءات التنازلات الرسمية، وإخلاء سبيل أي محكوم عليهم في القضية، مع التأكيد على أن هذا الاتفاق ينهي النزاع نهائياً، ويعيد العلاقات الاجتماعية بين الأطراف إلى طبيعتها، بما يضمن التعايش السلمي وعدم العودة للثأر أو الانتقام.

3. ضمانات مستقبلية صارمة: تم التوقيع على وثيقة شرف قبلي تلزم جميع الأطراف، وتنص على أن أي شخص يعود لارتكاب جريمة جديدة – لا قدر الله – في إطار هذا النزاع أو خارجه، سيُغرَّم بمبلغ ثلاث ديات (45 مليون ريال يمني)، بالإضافة إلى تفعيل جميع بنود الوثيقة القبلية لقبائل الصبيحة، والتي تشمل آليات ردع صارمة وعقوبات اجتماعية وقانونية، بهدف منع تكرار مثل هذه الأحداث.

ردود الفعل والتداعيات:

لقِيَت الخطوة ترحيباً واسعاً من قبل المجتمع المحلي، الذي أشاد بحكمة المشايخ والقيادات العسكرية والأمنية في إدارة الملف، ووصفها البعض بأنها "نموذج يُحتذى به في حل النزاعات المعقدة عبر الحوار والعرف القبلي المدعوم بالقانون".

من جهته، قال العميد حمدي شكري، راعي الجلسة:

"اليوم نضع حداً لملف استنزف طاقات المجتمع وأرهق أهله لأكثر من 14 عاماً. هذا الاتفاق ليس مجرد تسوية، بل هو رسالة سلام ووحدة، وتأكيد على أن العقل والحكمة أقوى من الرصاص والدم".

كما أشار الشيخ أحمد الصبيحي، أحد مشايخ الوساطة، إلى أن:

"هذا الاتفاق يُعدّ سابقة في تاريخ المنطقة، حيث تم الجمع بين العُرف القبلي والإجراءات القانونية، وهو ما يضمن استدامته ويمنع التلاعب به مستقبلاً".

تعود أحداث "قضية القصير" إلى عام 2011، حين اندلع خلاف عائلي تصاعد إلى مواجهة مسلحة أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة، وإصابة عدد آخر، ما أدى إلى تفجر نزاع ثأري استمر لسنوات، وتحول إلى قضية أمنية واجتماعية معقدة، تداخلت فيها عوامل قبلية وقانونية، وحاولت عدة مبادرات سابقة حلها دون جدوى، حتى نجحت المبادرة الحالية في كسر الجمود وتحقيق المصالحة.

تمثل هذه التسوية نجاحاً مزدوجاً للعرف القبلي اليمني وللدولة في آنٍ واحد، حيث أثبتت أن التكامل بين المؤسسات الأمنية والمجتمعية يمكن أن يحقق نتائج ملموسة في إنهاء أعقد النزاعات. وتأتي في وقت تسعى فيه اليمن إلى تعزيز الاستقرار المجتمعي وترسيخ ثقافة السلام، كمدخل أساسي لأي عملية سياسية أو تنمية مستدامة.