الحوثي يزرع ”خريجي الشريعة” في المحاكم اليمنية لتعزيز سيطرته الأيديولوجية
في خطوة تؤكد مساعيها الحثيثة لفرض سيطرتها الكاملة على السلطة القضائية، قامت جماعة الحوثي بتوزيع العشرات من خريجي دوراتها الدينية المتخصصة على المحاكم في ثمان محافظات يمنية خاضعة لسلطتها.
ويأتي هذا التطور بناءً على تعميم رسمي، ويهدف إلى إعادة هندسة المؤسسة القضائية وفقًا لرؤيتها المذهبية والفكرية، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا وغضبًا في الأوساط الحقوقية والقانونية.
كشفت وثيقة رسمية، وهي التعميم رقم (48) الصادر عن رئيس هيئة التفتيش القضائي التابعة للحوثيين والمؤرخ في 5 نوفمبر 2024، عن تفاصيل الخطوة التي وُصفت بأنها "الأخطر" على مسار استقلالية القضاء في المناطق الخاضعة للجماعة.
تضمن التعميم توزيع (83) خريجًا من "الدورة التأهيلية الأولى لعلماء الشريعة" على مختلف المحاكم في كل من أمانة العاصمة صنعاء، ومحافظات حجة، صعدة، عمران، إب، تعز، وذمار.
وجاء في التعميم أن هذا التوزيع جاء بناءً على "ما تقتضيه مصلحة العمل والصالح العام"، وهي عبارة اعتبرها مراقبون غطاءً لعملية إحلال منهجية تستهدف إضعاف الكادر القضائي الحالي ذي التأهيل القانوني، واستبداله بعناصر موالية للجماعة تم تدريبها في مراكزها الدينية.
وقد تم تحديد أسماء المتدربين والمحاكم التي سيتم تدريبهم فيها، بالإضافة إلى أسماء القضاة الذين سيشرفون عليهم، مما يضمن عملية توجيه وسيطرة مباشرة.
لا تُعتبر هذه الخطوة حدثًا معزولًا، بل هي حلقة ضمن سلسلة متصلة من الإجراءات التي يتبعها الحوثيون لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة اليمنية، وخاصة المؤسسات السيادية كالقضاء والجهاز الأمني.
يسعى الحوثيون من خلال هذه السياسة إلى طرد الكفاءات القانونية المستقلة واستبدالها بعناصر منتمية فكريًا ومذهبيًا للجماعة، لضمان تحويل المحاكم من أداة لتحقيق العدالة إلى أداة لفرض هيمنتهم وتنفيذ أجندتهم.
ويتم ذلك في ظل غياب تام لأي شكل من أشكال الرقابة الفعالة، وتدهور كبير في وضع القضاة والمحامين الذين باتوا يواجهون ضغوطًا هائلة من قدرتهم على الاحتجاج أو الدفاع عن استقلالية مهنتهم.
ردود أفعال غاضبة:
أثار التعميم الحوثي موجة من الاستنكار والغضب في الأوساط الحقوقية والقانونية اليمنية. ووصف نشطاء ومحامون هذه الخطوة بأنها "ضربة قاضية" لما تبقى من استقلالية للسلطة القضائية، ومحاولة سافرة لـ "تطييف" القضاء وتحويله إلى تابع كامل للجماعة.
وفي هذا السياق، قال المحامي والناشط الحقوقي عمار ياسين في تعليق له على التعميم: "القضاة اليوم لن يتحدثوا أو يحتجوا على إقحام خريجي المعاهد الدينية في سلك القضاء لأنهم باتوا مجرد موظفين يخشون على مصدر رزقهم".
وأضاف ياسين بمرارة: "كان القضاة في السابق يحتجون ويضربون عن العمل دفاعًا عن استقلاليتهم، أما اليوم فقد باتوا عاجزين عن الدفاع حتى عن مهنتهم وكرامتهم في ظل هيمنة الميليشيا".
مستقبل القضاء تحت سيطرة الحوثي:
يحذر مراقبون من أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى تآكل كامل لمصداقية النظام القضائي في مناطق سيطرة الحوثي، وفقدان المواطنين الثقة في العدالة.
كما أن تحويل المحاكم إلى مؤسسات أيديولوجية سيعمق الانقسام في المجتمع اليمني ويقوض أي فرص مستقبلية لتحقيق سلام عادل ومستدام يقوم على أسس حكم القانون والمؤسسات.













