”طابعات تُهدّد الريال اليمني: كيف أحبطت عدن مخطّطًا خطيرًا للحوثيين؟”

أعلن جهاز مكافحة الإرهاب في العاصمة المؤقتة عدن، الخميس، عن إحباط واحدة من أخطر عمليات التهريب التي تستهدف الاقتصاد الوطني، بعد ضبط شحنة طابعات حديثة ومتطورة مخصصة لطباعة العملة، كانت في طريقها إلى ميليشيات الحوثي الانقلابية عبر ميناء الحاويات بعدن.
216.73.216.58
وأكد الجهاز، في بيان رسمي، أن العملية تمت بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة، وبالتنسيق الكامل مع مصلحة الجمارك، موضحًا أن الشحنة تم رصدها منذ لحظة دخولها الميناء، وجرى ضبطها تحت الإشراف المباشر لرئيس جهاز مكافحة الإرهاب، اللواء الركن شلال علي شايع.
وأشار البيان إلى أن طبيعة المضبوطات، التي تبين لاحقًا أنها طابعات عالية الدقة قادرة على إنتاج نسخ مطابقة تمامًا للعملة الرسمية، دفعت الجهاز إلى إبلاغ محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد غالب المعبقي، فورًا.
وقد وجه المحافظ بدوره بلاغًا عاجلًا إلى النائب العام، القاضي قاهر مصطفى، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، بما في ذلك التحفظ على الطابعات وندب خبراء متخصصين من البنك المركزي لفحصها وتحليل إمكاناتها التقنية، ضمن تحقيقات موسعة تجري حاليًا.
وبحسب المعلومات الأولية التي حصلت عليها مصادر أمنية، فإن الشحنة وصلت إلى ميناء عدن قادمة من ألمانيا الاتحادية، ضمن خطة ممنهجة تهدف إلى تمكين ميليشيات الحوثي من طباعة كميات كبيرة من العملة اليمنية المحلية، خاصة من الفئات المتداولة حاليًا، في محاولة صريحة لضرب الاستقرار المالي وزعزعة الثقة بالريال اليمني، وخلق فوضى نقدية تخدم أجندات الجماعة الانقلابية.
ويأتي هذا الكشف في وقت يعاني فيه الاقتصاد اليمني من أزمات هيكلية عميقة، نتيجة استمرار الحرب وانقسام المنظومة المالية بين مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا ومناطق سيطرة الحوثيين.
وفي هذا السياق، يُعد أي تدخل غير قانوني في إصدار العملة تهديدًا مباشرًا لقيمة الريال اليمني، ولقدرة المواطنين على تأمين احتياجاتهم الأساسية في ظل تضخم جامح وتدهور مستمر في القوة الشرائية.
وسبق أن كشفت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا عن قيام ميليشيات الحوثي بطباعة ما يقارب 12 مليار ريال يمني من العملات المزورة، بما يعادل نحو 21 مليون دولار أمريكي، في إطار جهودها لتمويل آلة الحرب وتوسيع نفوذها الاقتصادي.
كما أقدمت الجماعة سابقًا على سك عملات معدنية من فئتي 50 و100 ريال، وإصدار أوراق نقدية من فئة 200 ريال بطرق غير قانونية، ما أثار موجة استنكار واسعة من المؤسسات المالية المحلية والدولية، ودفع البنك المركزي اليمني إلى إعلان عدم اعترافه بهذه الإصدارات.
وأفادت مصادر مطلعة بأن الحوثيين كانوا يخططون لاستخدام الطابعات المضبوطة لطباعة فئات جديدة من العملة، أبرزها 500 و1000 ريال، في خطوة تهدف إلى تعميق الفوضى النقدية وزيادة الضغط على الاقتصاد الوطني.
ويؤكد جهاز مكافحة الإرهاب أن التحقيقات لا تزال جارية بالتعاون مع النيابة العامة والبنك المركزي، مشيرًا إلى أن الإعلان عن تفاصيل إضافية، بما في ذلك هوية الجهات والأشخاص المتورطين في تهريب هذه الشحنة، سيتم فور استكمال الإجراءات القانونية والفنية.
ويرى مراقبون اقتصاديون وأمنيون أن إحباط هذه العملية يمثل انتصارًا أمنيًا واقتصاديًا مزدوجًا؛ إذ لا يقتصر أثره على حرمان الحوثيين من أداة جديدة لضرب الاقتصاد، بل يعزز أيضًا ثقة المواطنين بالمؤسسات الأمنية والنقدية في عدن، ويُرسّخ رسالة واضحة مفادها أن أي محاولة لاختراق المنظومة المالية الوطنية ستُواجَه برصد دقيق وملاحقة حاسمة.
ويُنظر إلى هذا الإنجاز كمؤشر على تحسن التنسيق بين الأجهزة الأمنية والاقتصادية في مناطق سيطرة الحكومة، في وقت تزداد فيه التحديات المالية والاقتصادية تعقيدًا، وسط سباق محموم لحماية ما تبقى من استقرار نقدي في البلاد.