أوروبا تتحرك خلف ترمب.. هل تتجه الحرب الأوكرانية إلى التجميد الدائم؟

أعادت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض خلط الأوراق في الموقف الأوروبي من الحرب الأوكرانية، إذ بدأت بعض العواصم الأوروبية في مراجعة سياساتها تجاه الصراع المستمر منذ عام 2022، ورغم أن هذه التحركات لا تعني انحيازًا كاملاً للرؤية الأمريكية الجديدة، فإنها تعكس قلقًا متزايدًا من طول أمد الحرب وتداعياتها الاقتصادية والسياسية على القارة الأوروبية.
وفي أكتوبر 2025، أصدر قادة الاتحاد الأوروبي، إلى جانب بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا، بيانًا مشتركًا أعلنوا فيه دعمهم لجهود الرئيس الأمريكي لوقف إطلاق النار وبدء مفاوضات بين موسكو وكييف، على أن يُعتمد خط التماس الحالي نقطة انطلاق للمحادثات.
موقف أوروبي حذر بين دعم السلام ومخاوف التنازلات
أكد البيان الأوروبي أن الحدود الدولية لا يجب أن تتغير بالقوة، وهو ما يتعارض مع مطالب موسكو بالاحتفاظ بمزيد من الأراضي الأوكرانية، إلا أن هذا الموقف الموحد يخفي وراءه انقسامات واضحة داخل الاتحاد؛ فبينما تدعم دول مثل ألمانيا وفرنسا أي مسار يؤدي إلى وقف القتال، ترى دول البلطيق مثل إستونيا أن التنازل عن الأراضي يعني "مكافأة العدوان".
كما شدد القادة الأوروبيون على ضرورة أن تتضمن أي تسوية محتملة ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا، تقيها من أي اعتداء روسي جديد في المستقبل، وهو شرط أساسي قبل القبول بأي وقف دائم للقتال.
تأثير سياسات ترامب الجديدة على الملف الأوكراني
منذ توليه الرئاسة مجددًا، اتجه ترامب إلى إعادة صياغة الدور الأمريكي في الحرب الأوكرانية، وقد أشارت تقارير أمريكية وأوروبية إلى أنه يمارس ضغوطًا على كييف للقبول بتسوية قائمة على "تجميد الصراع"، بما يعني بقاء القوات الروسية في مواقعها الحالية مقابل وقف القتال.
ورغم حديث ترامب المتكرر عن قدرته على إنهاء الحرب في يوم واحد، فإن غموض تفاصيل خطته يثير قلقًا واسعًا في أوروبا، خاصة من إمكانية إجبار أوكرانيا على تقديم تنازلات مؤلمة في سبيل إنهاء الحرب.
هل تقترب الحرب من مرحلة "التجميد الدائم"؟
يرى عدد من المحللين أن السيناريو الأقرب حاليًا هو تحول الحرب الأوكرانية إلى صراع مجمّد، على غرار ما حدث في شبه الجزيرة الكورية قبل عقود، ففي ظل عجز أي طرف عن تحقيق نصر حاسم، قد يتحول وقف إطلاق النار إلى وضع دائم دون توقيع اتفاق سلام نهائي.
لكن كييف ترفض هذا الطرح رفضًا قاطعًا، وتعتبر أي تسوية لا تضمن استعادة كامل أراضيها تخليًا عن مبدأ السيادة الوطنية، من جانبها، تبدي موسكو استعدادًا مشروطًا للحوار مع إدارة ترامب، لكنها ترفض وجود أي قوة أمنية دولية للإشراف على التسوية المستقبلية.
أوروبا بين الواقعية السياسية والمخاوف الاستراتيجية
يصف مراقبون الموقف الأوروبي بأنه "تأييد حذر" للجهود الأمريكية، إذ تحاول الدول الأوروبية الموازنة بين دعم كييف والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وفي الوقت نفسه، تتجه عدة دول إلى تعزيز قدراتها الدفاعية وتقليل اعتمادها على المظلة الأمنية الأمريكية، تحسبًا لتقلبات الموقف في واشنطن.
ويرى بعض الدبلوماسيين أن تجميد الصراع قد يوفر فرصة مؤقتة للتهدئة، لكنه يحمل خطر تجدد القتال مستقبلاً بشكل أكثر عنفًا، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل يضمن أمن أوروبا وأوكرانيا على حد سواء.
في المجمل، لا يمكن القول إن أوروبا تسير "خلف ترامب" بالكامل، بل تتبنى استراتيجية مزدوجة تجمع بين دعم الجهود الدبلوماسية الأمريكية والتحفظ على أسلوبها، وتظل الحرب الأوكرانية رهينة لتوازنات معقدة بين القوى الكبرى، في انتظار ما إذا كانت واشنطن وموسكو وكييف ستنجح في صياغة اتفاق واقعي يوقف نزيف الحرب دون أن يفرّط في مبادئ السيادة والعدالة.