الأحد 20 يوليو 2025 04:39 صـ 25 محرّم 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

الوثنية في الفكر الزيدي الهادوي

السبت 19 يوليو 2025 09:44 مـ 24 محرّم 1447 هـ

إحالة: "من لم يُوالِ الإمام من ولد الحسن والحسين، ويُسلّم له الأمر، فلا دين له، وإن صام وصلى، وحج واعتمر"
الإمام الزيدي قاسم بن محمد"(المجموع الفقهي، ج1، ص 102).

مقدمة:
حين نتأمل الظواهر الوثنية في التاريخ، يخطر ببالنا الأصنام والحجارة والطقوس البدائية في الغابات والمعابد، لكن ثمة وثنية أخطر، لا تصنع من الطين، بل من الأفكار، ولا تُعبد في المعابد، بل في العقول، إنها الوثنية المؤدلجة التي تتلبّس بلبوس الدين، وتُعيد إنتاج آلهة جديدة من سلالة مقدّسة، وشعائر جديدة باسم الطقوس والشرف النسبوي، وتُقيم نظاما كهنوتيا مغلقا يحتكر الحق والقداسة والحكم.

في هذا المقال، نفتح ملف الفكر الزيدي الهادوي، لا كتيار فقهي، بل كمنظومة دينية– سياسية أرست عبر قرون طويلة لنوع خطير من الوثنية المؤسَّسة: وثنية النسب، وتأليه الإمام، وتقديس الخرافات، وصناعة التابوهات، وتحويل الإمامة إلى سرّ مقدس.

هذا التشريح ينطلق من تحليل معرفي وفكري، يضع النصوص في ميزان العقل والقرآن، ويقارن بين جوهر التوحيد الذي أتى به الإسلام، وبين الانحرافات العقائدية التي تسللت باسم خرافات "أهل البيت" و"الحق الإلهي"، فتحوّلت إلى آلهة جديدة تُعبد من دون الله.

من الأصنام إلى الأشخاص: مفهوم الوثنية يتجدد.
الإسلام لم يحصر الوثنية في عبادة الجمادات، بل اعتبر كل ما يُقدَّم له الطاعة والتشريع دون الله وثناً، سواء كان حجرا أو فكرة أو شخصا.
قال تعالى: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه" [الجاثية: 23].
يقول ابن القيم: "الوثن كل ما يُعبد من دون الله، سواء كان صنمًا أو قبرًا أو طقسًا أو إنسانا يُتلقى منه الدين".
وهنا تتضح خطورة الوثنية المؤدلجة، حيث تُرفع طبقة دينية إلى مرتبة التفويض الإلهي، ويتحول الإمام إلى واسطة بين الناس وربهم، يُمنح سلطات مطلقة باسم "الحق الإلهي".

تناقض جوهري مع الشهادتين والتوحيد
إن أخطر ما في الفكر الزيدي الهادوي، أنه لا يكتفي بإقامة الإمام مقام النبي، بل يرفع الإمام فوق الشهادتين، فوق "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ويجعل ولاءه شرطا لصحة الإيمان، وقبول العمل، والدخول في دائرة الإسلام.
فحين يقول القاسم بن محمد: "من لم يُوالِ الإمام من ولد الحسن والحسين، ويُسلّم له الأمر، فلا دين له، وإن صام وصلى، وحج واعتمر" (المجموع الفقهي، ج1، ص 102)
فإننا أمام شرك صريح، يتعارض مع صريح القرآن والسنة.
فالله تعالى يقول: "من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة" [النحل: 97] ،ولم يجعل شرط القبول هو النسب أو الطاعة لشخص

إن جعل الإمام وسيطا، وجعل طاعته مقدّمة على التوحيد، هو أصل الشرك بالله، وهو انحراف عقدي يناقض الإسلام، ويُعيدنا إلى "وثنية الأشخاص" التي بعث الله الرسل لنقضها.

فحين تُعلّق النجاة بالإمام، وتُنفى عن المسلم صلاته وزكاته وحجه بسبب موقفه من شخص من بني هاشم، فنحن لا نتحدث عن مذهب، بل عن ديانة موازية للإسلام تنقض التوحيد من أساسه.
وكما قال الباحث الأستاذ عادل الأحمدي " ليست هذه مظاهر شرك بل هي الشرك بعينه، مضافا عليه النفاق"

وثنية النسب: حين يصبح العرق معيار الدين
منذ تأسيسها، ربطت الزيدية الهادوية الحق في الحكم بـ"البطنين" فقط، واعتبرت النسب العلوي أساس الشرعية، الإمام في هذا الفكر ليس قائدًا بشريًا، بل "مختارٌ إلهي"، يجب طاعته بلا مراجعة، وتؤكد كتبهم أن من لا يعرف إمامه يموت "ميتة جاهلية"، وأن الإمام لا يُخطئ ولا يجوز الجهاد إلا معه.
قال الكاهن يحيى بن الحسين الرسي طباطبا: "لا يكون الإمام إلا من آل محمد، لأنه المختار المصطفى من الله، الذي لا تجوز مخالفة أمره" مجموع كتب ورسائل الهادي، ص 507).
كما جاء في كتبهم: "من مات لا يعرف إمامه، مات ميتة جاهلية" (الأحكام لليحيى الرسي 2/343، مجموع القاسم الرسي 2/135).
والإمام عندهم لا يُخطئ ولا يجوز الجهاد إلا معه، لأن طاعته مفترضة بنصوص العقيدة، لا بإرادة الأمة.

الإمام كائن فوق البشر
النصوص الزيدية تصف الإمام بأنه حجة الله على عباده، من خالفه فقد خالف الله، ومن طعن فيه فقد كفر، وبهذه البنية، يُحوَّل الإمام إلى وثن حي، يُطاع ويُقاتَل تحت رايته، وتُعتبر معارضته ردة، يصبح الحاكم تجسيدا للحق، لا يُسائل ولا يُحاسب، وهي ذروة الوثنية السياسية المغلفة بالدين.
يقول الكاهن الرسي: "لا يجوز الجهاد إلا مع من اصطفاه الله، لما في الجهاد من سفك الدماء وهتك الحرمات، وذلك لا يكون إلا بإمام مفترض الطاعة، من آل محمد" (مجموع الهادي، ص 507).
ويقول أيضًا: "من جحد إمامة إمام الحق من آل محمد، فقد كفر بنعمة الله، وألحد في آياته" (الأحكام، ج2، ص 119).
بهذه البنية، يُحوَّل الإمام إلى وثن حي، يُطاع ويُقاتَل تحت رايته، وتُعتبر معارضته خروجا من الملة.

طقوس بألوان الشرك
نشهد في المناطق الخاضعة للحوثيين، كيف تتحول المناسبات الدينية كالمولد النبوي إلى طقوس إجبارية تُكرَّس فيها الطاعة السياسية، اللون الأخضر يكتسح المدن كرمز "للنور الإلهي"، والاحتفالات تُرفع فيها الشعارات وتُنشد فيها التواشيح عن الإمام كأنها تسابيح دينية هذا الأمر ليس بعيدا عن النزعة الوثنية للزيدية الهادوية بل سلوك قام به كل ائمتها لفرض الولاء واختباره، وقد يتخذ اشكال مختلفة كما حدث في عهد الكاهن يحيى حميد الدين في حادثة القطران المعروفة
يقول الكاهن الرسي طبطبا: "إنّ الله اختار لنا هذه العترة الطاهرة، ففرض طاعتهم، وأوجب محبتهم، وجعلهم نورا للناس، يهتدون بهم، ويُفرّج عنهم بكربهم، ويُستسقى بهم الغيث" (الأحكام، نقلاً في عقائد أئمة الزيدية، ص 152).
ويقول القاسم بن إبراهيم في "الشافي": "الأنوار الإلهية لا تسكن إلا في آل محمد"
وفي "المنتخب" ليحيى الرسي ورد: "أوصيكم بالتمسك بالإمام، فهو الذي تنزل معه الرحمة، وتُصرف بوجهه النقم" (المنتخب، ص 84).

الولاية: رأس سنام الوثنية
الفكر الزيدي لا يرى الحاكم اختيارا شعبيا، بل "علامة تظهر على الإمام"، وهو ما يُشبه اختيار الكاهن في الديانات الوثنية، فالإمام لا يُنتخب، بل يُكشف، و"الخروج بالسيف" يُعدّ دليلا على شرعيته.
قال القاسم بن إبراهيم الرسي: "إذا قام رجل من ولد الحسن أو الحسين، عالم، زاهد، شجاع، يدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه، وجب على الناس نصره، ولا يجوز لهم النظر إلى غيره" (الشافي، ص 108).
أما القاسم بن محمد فقال: "الإمام لا تنعقد له الإمامة برضا الأمة، ولا برأيهم، وإنما الإمامة في ولد الحسن والحسين، من قام منهم بالسيف داعيًا إلى الله فهو الإمام" (المجموع الفقهي، ج1، ص 80).

التربية الوثنية: تهميش العقل لصالح الطاعة المطلقة
في كتب الزيدية، لا يُسمح حتى بمجرد التساؤل عن الإمام، بل من ينتقده طاعن في النبوة، ويُستباح دمه كـ "مرتد"، وتُربى الأجيال على طاعته كما يُربى أتباع الديانات الوثنية على تقديس الكهنة.
يقول الكاهن الرسي: "العقل لا يُدرك الإمامة، وإنما يُعرف الحق من خلالها، فهي باب الهداية، ونور السماء في الأرض" (أصول الدين، ص 88).
وفي موضع آخر: "ومن قال: الإمام أخطأ، فقد طعن في النبوة، لأن الإمام لا يخطئ في أمر الأمة، وهو حجة الله عليهم" (المنتخب، ص 150).
وقال في نص آخر: "من قدح في إمام الحق، واستحل الخروج عليه، فقد وجب قتله، كما يُقتل المرتد، ولا تُقبل له توبة" (الأحكام، ج2، ص 202)
وفي "المنتخب" أيضًا: "من طعن في الإمام الحق، أو عابه، فقد طعن في الله وعابه، ومن عابه فقد كفر" (المنتخب، ص 149).


استنتاج ختامي
الفكر الزيدي الهادوي، بنصوصه وممارساته، لا يقدّم مجرد اجتهاد مذهبي، بل يؤسس لنظام كهنوتي متكامل يُفرّغ الإسلام من جوهره التوحيدي، ويُعيد إنتاج أصنام جديدة من لحم ودم، يختبئون خلف سلالة، ويحكمون باسم الله، ويحظرون التفكير.
وفي الختام فإن ما احدثه الفكر الزيدي وجذوره الشيعية الجارودية والإمامية ليس مجرد وثنية، بل ديانة تستخدم النفاق لهدم الدين الاسلامي، وهي تستند إلى إرث فقهي وثني، مغموس في العنصرية، وسيكون من الخطأ المنهجي والاستراتيجي التغاضي عنه، أو السماح باستمراره كمشروع تدميري دون تجريم ومواجهة فكرية حاسمة.