القتل المدنى بين إسرائيل والحوثى!

أثار القصف الصهيونى الأخير على صنعاء موجة من "القصف الإعلامي" على وسائل التواصل الاجتماعى، لتطفو على السطح مصطلحات غريبة، وجميعا ندرك حرب المصطلحات التى تنتهى بحرف الحقائق لا أكثر .
216.73.216.139
والواقع أن معظم هذه التناولات لم تكن بريئة، بل هدفت لتبرئة المقتولين من مسئولياتهم المشتركة مع جماعة متمردة هم جزء أساسى منها.
بعيدا عن الجدل فى هوية الفاعل، وهو كيان إرهابى بامتياز، حيث لا أحد يدافع عن إسرائيل، مهما كان، حتى بدأنا نرى ترامب نفسه يتبرم من جنون نيتانياهو.
لكن على مستوى ما تم فى صنعاء، يبقى أن المقتول ـ قانونيا - على المستوى اليمنى والدولى يعد متمردا إرهابيا. فالمسئول الذى اختار بوعى ومنهجية المشاركة فى قمع الناس، وتدمير الدولة لا يتحول فجأة إلى ضحية بريئة، لمجرد أن خصما آخر ـ وإن كان عدوا خارجيا ـ هو من استهدفه.
الجرائم التى ارتكبتها إسرائيل تبقى مدانة بلا نقاش، لكنها لا تمحو بأى حال سجل الجرائم التى ارتكبها الحوثى وشركاؤه، سواء فى أجهزة القمع أو فى قيادة الميليشيا. فالمعادلة لا تقبل تزييفا: لا يمكن أن يكون القاتل والجلاد بالأمس، شهيدا اليوم، لأنه سقط بضربة عدو آخر.
وللتقريب، لو قصفت إسرائيل قادة "داعش" مثلا، فهل سنصف قتلى التنظيم بأنهم "شهداء الوطن"! ونقيم سرادق العزاء.؟
أو نجرؤ على القول إن الذى انتمى للتنظيم الداعشى يبقى مدنيا مسالما.
(وبالمناسبة لبعض الذين لا يدركون عمق أيديولوجيا فكرة الحوثى الدينية المتطرفة فهى لا تفرق عن داعش وبلباس مذهبى، تجاه قضايا مثل الانتماء للوطن والموقف من الدولة المدنية أو حقوق الإنسان والمرأة، والديمقراطية، أو الانتماء القومى.).
العملية الإسرائيلية على صنعاء مدانة لأنها انتهكت سيادة اليمن ومجاله الجوى وأمنه الوطنى. هذه قضية قائمة بذاتها، ولا يملك أحد أن يتجاوزها. لكن فى الوقت نفسه، لا يملك أحد أن يفرض علينا الدفاع عن الحوثيين الذين جلبوا العدوان الإسرائيلى بأفعالهم، وقتلوا اليمنيين قبل أن تسقط قذائف إسرائيل على رءوسهم.
أما ادعاء الحوثيين بأنهم "ينصرون غزة" فيما يواصلون قتل اليمنيين، فقد صار قولا غير مقبول، يشبه إلقاء نكتة سمجة فى مجلس عزاء. فهم أبعد ما يكونون عن روح المقاومة، بل يستثمرون القضية الفلسطينية كشعار لتغطية جرائمهم فى الداخل.
الموقف ضد الإرهاب واحد. سواء من جماعة داخلية او كيان خارجى. والتظاهر بالحياد فى قضايا الحق والعدل جريمة لا تقل عن الفعل الصريح نفسه. فاليمنيون يدركون خطر العدو الإسرائيلى ويتوحدون ضده، كما يحملون فلسطين فى أعماق وجدانهم. يمكن أن نذكر بعشرات المواقف الصلبة والثابتة، لكل اليمنيين ومنذ بدء النضال من أجل القضية الفلسطينية، وقبل مولد الحوثى وتنظيمه. وذاك مقدر لدى الشعب الفلسطينى ومازالت كلمات ياسر عرفات رحمه الله حية فى ذاكرة الناس وهو يقول فى احتفال توحيد شطرى اليمن عام 1990: "فلسطين هى الشطر الثانى لليمن"، أما اليوم فيراها اليمنيون شطرهم الأول.
هذه الحقيقة لا تمنح الحوثيين حق اختطاف راية النضال الفلسطينى.
بل تظهر حقيقة تسلقهم سلم القضية عنوة دون اتجاه صادق.
فهم لا يمثلون اليمن ولا مشروعه القومى، بل يعيدون إنتاج صراعات مذهبية وطائفية تستدعى من كهوف التاريخ. وهنا، يخدمهم القصف الإسرائيلى من حيث يريد العدو أو لا يريد، لأنه يلمّعهم كخصم فى مواجهة عدو خارجى، ويمنحهم موقعا لا يستحقونه على حساب تضحيات اليمنيين وحقوقهم.
اليمن بحاجة من نخبته إلى وضوح لا لبس فيه: إدانة إسرائيل ورفض انتهاك السيادة، وفى الوقت نفسه إدانة الحوثى وتجريمه على كل ما ارتكبه بحق هذا الشعب. فدماء اليمنيين ليست ورقة لتبادل التبرئة بين إرهابيين.
*الأهرام