الجمعة 12 سبتمبر 2025 11:42 مـ 20 ربيع أول 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

”مخطط جديد لتقسيم اليمن؟ إسرائيل تضع عدن على رأس قائمة مطالباتها... ماذا يجري!”

السبت 13 سبتمبر 2025 12:41 صـ 21 ربيع أول 1447 هـ
يهود يمنيون-ارشيفية-
يهود يمنيون-ارشيفية-

في خطوة تثير استغراب المجتمع الدولي وتنذر بتصعيد خطير للأزمة اليمنية، أدرجت إسرائيل العاصمة الجنوبية عدن كوجهة منفصلة ومباشرة ضمن قائمة مطالبها المالية الضخمة المقدمة أمام مجلس الأمن الدولي، مطالبة بدفع تعويضات تتجاوز 16 مليار دولار أمريكي بزعم أنها "خسائر اليهود الذين غادروا المدينة عقب حرب 1948".

216.73.216.105

وبحسب الوثيقة التي قدمتها الوفود الإسرائيلية إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بالتعويضات، فإن هذه المبالغ تُحسب على أساس "تهجير قسري" و"مصادرة ممتلكات" لليهود اليمنيين الذين كانوا يعيشون في عدن قبل نشوب الحرب العربية-الإسرائيلية، وهو ما يُعد أول مرة يتم فيها فصل عدن عن باقي الأراضي اليمنية في سياق مطالبات تاريخية من هذا النوع.

إدراج عدن ككيان منفصل: إعادة إحياء مخطط قديم

لم يكن إدراج عدن بشكل منفصل عن باقي اليمن مجرد تفصيل إداري، بل هو تعبير صريح عن استمرار مخطط سياسي قديم يعود إلى العقود الأولى من القرن الماضي، حين كانت عدن مستعمرة بريطانية ومركزًا اقتصاديًا وثقافيًا للطائفة اليهودية في شبه الجزيرة العربية. ويشير خبراء التاريخ والسياسة إلى أن هذا الإجراء يهدف إلى ترسيخ فكرة أن عدن ليست جزءًا من النسيج اليمني، بل "أرض مهجورة" يمكن استدعاؤها كـ"ممتلكات مفقودة" لصالح دولة غير يمنية.

ويكشف هذا التحرك عن رغبة إسرائيل في إعادة تشكيل الهوية السياسية لجنوب اليمن، وتحويلها من منطقة تواجه تحديات داخلية إلى "قضية دولية" قابلة للابتزاز، تخدم أهدافًا استراتيجية أوسع: تقويض أي محاولة لتوحيد اليمن، وإقحامها في دوامة من المطالبات المالية المستحيلة، تُستخدم كذريعة للتدخل الخارجي.

سرد تاريخي مزيف يتجاهل السياق الحقيقي

وقد واجهت هذه المزاعم انتقادات حادة من جانب الباحثين والمؤسسات الأكاديمية، إذ تشير التسجيلات التاريخية إلى أن اليهود في عدن لم يكونوا ضحايا حرب 1948، بل هاجروا على مراحل بين عامي 1947 و1950، معظمهم تحت ضغوط محلية ودولية، وبعضهم بناءً على برامج هجرة منظمة من قبل المنظمات الصهيونية، وليس نتيجة حرب مباشرة. كما أن اليمن — آنذاك — لم تكن طرفًا في الصراع العربي-الإسرائيلي، بل كانت ساحة مواجهة مفتوحة بين القوى الاستعمارية والحركة الوطنية، ولم تُشارك في العمليات العسكرية ضد إسرائيل.

ولذلك، يرى الخبراء أن المطالبة بتعويضات من دولة يمنية حديثة — وهي دولة لم تنشأ إلا بعد عقود من هجرة اليهود — هي تشويه متعمد للتاريخ، واستغلال ممنهج لذاكرة الضحايا لخدمة أجندات سياسية حالية، خاصة مع تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث يعاني أكثر من 21 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وتدهور الخدمات الأساسية، وانهيار الاقتصاد الوطني.

فخ اقتصادي وسياسي مدروس

يصف المحللون السياسيون هذه المطالب بأنها "فخ مالي مُصمم بدقة"، يهدف إلى:

  • تحميل الحكومة اليمنية — التي تواجه أزمات مالية حادة وعجزًا في الميزانية — مسؤوليات غير ممكنة.
  • تبرير تدخلات دولية تحت ذريعة "حماية حقوق الإنسان" أو "استعادة الممتلكات".
  • تهيئة الأرضية لفرض عقوبات اقتصادية جديدة أو تجميد أصول يمنية في الخارج تحت مسمى "تعويضات غير مسددة".
  • تحويل عدن إلى ورقة مساومة دائمة في المفاوضات الدولية، تُستخدم لضغط الحوثيين أو الحكومة الشرعية أو حتى القوى المحلية في الجنوب، بما يخدم مصالح إسرائيل وأدواتها الإقليمية (مثل الإمارات والسعودية في بعض السياقات).

مخاوف من احتلال جديد عبر الابتزاز المالي

ويحذر مراقبون من أن هذه الخطوة قد تكون المرحلة الأولى لمشروع أوسع: استخدام المطالبات المالية كذريعة لفرض "إدارة دولية مؤقتة" على عدن، أو لإنشاء "مناطق حكم ذاتي" مدعومة من الخارج، مشابهة لما حدث في أجزاء من ليبيا أو العراق. وقد يُستغل ذلك للاستيلاء على المرافق الاستراتيجية في المدينة — مثل ميناء عدن، وقاعدة اللحية الجوية، ومنطقة المكلا الاقتصادية — تحت مسمى "إدارة الممتلكات المصادرة".

ويعتقد عدد من المختصين أن هذا الملف قد يُستخدم لاحقًا كـ"أداة ردع" ضد أي محاولة لتوحيد اليمن تحت حكومة واحدة، أو لعرقلة أي تسوية سياسية تشمل الجنوب، من خلال تهديد "تفعيل التعويضات" كلما تقدمت المفاوضات.

نداء لوقف التدخلات وضرورة موقف عربي موحد

في ظل هذا السياق، دعا خبراء القانون الدولي والباحثون في الشؤون اليمنية إلى ضرورة تشكيل موقف عربي وإسلامي موحد لرفض هذه المطالب، واعتماد آلية قانونية دولية لمحاسبة إسرائيل على استخدام التاريخ كأداة ابتزاز، وفقًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر استغلال النزاعات التاريخية لخدمة أهداف سياسية حالية.

إن مطالبة إسرائيل بـ16 مليار دولار من عدن ليست مجرد مسألة مالية، بل هي هجوم على الذاكرة الوطنية اليمنية، ومحاولة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفقًا لحسابات الاحتلال، حيث تتحول المدن إلى أدوات ابتزاز، والشعوب إلى ديون مستحقة.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل ستبقى الدول العربية صامتة أمام محاولة تفتيت اليمن من الداخل عبر فتح ملفات تاريخية مزيفة؟ أم أن الوقت قد حان لوضع حدٍّ لاستغلال التاريخ كسلاح سياسي؟