الجمعة 12 سبتمبر 2025 11:14 مـ 20 ربيع أول 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

لم تكن تطلب سوى عدالة… فحصلت على رصاص. قصة الطبيبة التي دفعت ثمن شكاواها من عسكريين في تعز

السبت 13 سبتمبر 2025 12:07 صـ 21 ربيع أول 1447 هـ
سيارة الطبيية
سيارة الطبيية

هزّت واقعة شديدة الوحشية الرأي العام في محافظة تعز، بعد أن تعرضت طبيبة وأبناتها لمحاولة قتل مُخططة من قبل عسكريين تابعين للواء 170، في رد فعل انتقامي عنيف على شكوى قدمتها ضد طفل أضرّ بها.

216.73.216.105

الحادثة، التي تُعد من أقسى حالات إساءة استخدام السلطة العسكرية ضد مدنيين في المناطق المحررة، كشفت عن تغوّل غير مسبوق لعناصر مسلحة تتعامل مع القانون كـ"أمر شخصي"، وتُمارس العنف كوسيلة للعقاب والترهيب.

بداية الواقعة: حجرٌ أطلق سلسلة من العنف

ففي مساء يوم الأربعاء الماضي، كانت الدكتورة "عزيزة شرف" — وهي طبيبة متخصصة في الطب الباطني، وتعمل في أحد المستشفيات الميدانية بتعز — تعود مع ابنتها الصغرى من عملها، عبر طريق "كلابة" السكني الهادئ. فجأة، أصاب حجرٌ صغير سيارتهما، واصطدم بوجه الدكتورة، مما تسبب في جرح عميق في خدّها الأيسر ونزيفًا دمائيًا.

بدون تردد، توجهت الدكتورة إلى منزل الطفل المُعتدي — وهو صبي في العاشرة من عمره — لتقديم شكوى رسمية لأمه، طالبةً منها التدخل لمنع تكرار مثل هذه الأفعال، وضمان سلامة المواطنين. لكنها لم تتوقع أن تواجه رد فعلًا أكثر وحشية من الجريمة نفسها.

فوجئت الدكتورة بأم الطفل وهي ترد عليها ببرود وقسوة:

"ابني يفعل اللي يشتي... ما ينفعك تشكي؟ لو حبيت تعيشين بسلام، خليه يلعب!"

الكلمات كانت بمثابة صفعة نفسية، لكنها لم تكن نهاية القصة — بل مجرد مقدمة لكارثة أكبر.

الانتقام العسكري: إطلاق نار وتهديد بالقتل

بعد نصف ساعة فقط من هذا اللقاء، وبينما كانت الدكتورة وابنتها تتجهان إلى محل تجاري قريب لشراء أدوات طبية ضرورية، توقفتا عند نقطة تفتيش عسكرية خلف صالة "الروضة" — منطقة يسيطر عليها عناصر من اللواء 170، أحد أبرز الألوية المقاتلة في تعز.

فجأة، ظهر فردان عسكريان، مُسلحان بالكامل، وهما:

  • جمال عبد الله عبده محمد (الملقب بـ"الجمرة")
  • رضوان سيف محمد سعيد (الملقب بـ"شمهان")

لم يطلبا منهما أي وثائق، ولم يسألا عن هويتهما. بل اقتربا من السيارة بسرعة، وأطلقَا النار بشكل عشوائي على إطاراتها ومقدمة المحرك، ثم رفعا بنادقهما مباشرة نحو داخل السيارة، وصوّبا مسدسيهما إلى رأس الدكتورة وابنتها، بينما كانتا تصرخان متوسّلتين: "نحن مدنيات! لا نحمل سلاحًا!"

لكن الاعتداء لم يتوقف عند الإطلاق الناري. استخدم العسكريان مؤخرات بندقيتهما لتكسير زجاج السيارة الأمامي والخلفي، وسط هتافات تهديدية:

"أنا أبو الولد... واللي فعلته لكم الآن عقاب لكم لأنكم اشتكيتم بإبني!"
"هذي مش مدرسة، هذي حرب... ومش هتعملي شكوى على أحد!"
"إذا حبيتي تعيشين، خلي الأطفال يرموا الحجارة على الكل!"

الدكتورة وابنتها، اللتان كانتا ترتديان ملابس العمل الطبي، احتضنتا بعضهما البعض في رعبٍ مطلق، وظلتا مُستلقيتين على الأرضية، تتخيلان أن آخر لحظات حياتهما قد حانت.

وصول القائد... ووعدٌ لم يُنفذ بعد

في لحظة حاسمة، وصل قائد نقطة التفتيش، العقيد عصام عبد الله مقبل، الذي شاهد المشهد بعينيه. وفورًا، نزع سلاح المعتديْن، وأمرهما بالوقوف في مكانهما، ثم تحدث إلى الدكتورة وابنتها بصوت هادئ، لكنه مليء بالندم:

"أنا آسف جدًا... هذا ليس تصرف الجيش. هذين الشخصين تجاوزوا كل حدود الإنسانية والقانون."

وعلى الفور، تعهد العقيد عصام بـ:

  • تسليم المعتديْن فورًا إلى الشرطة العسكرية للمحاكمة.
  • تحويل القضية إلى لجنة تحقيق مستقلة برئاسة قيادة اللواء.
  • تعويض الدكتورة عن أضرار السيارة بالكامل، بما في ذلك تغيير الزجاج، والإطارات، وصيانة المحرك.
  • تقديم اعتذار رسمي باسم اللواء، وإعلان موقف واضح ضد أي تجاوزات من أفراده.

ردود الفعل: غضب شعبي ودعوات لمحاسبة المسؤولين

الواقعة، التي تم تصويرها عبر كاميرا مراقبة قريبة، انتشرت بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت موجة غضب عارمة بين أبناء تعز، ونشطاء حقوق الإنسان، وحتى بعض القيادات العسكرية المحسوبة على التحالف الوطني.

تحقيق رسمي... لكن هل سيُحاسب أحد؟

حتى كتابة هذا الخبر، لا تزال الدكتورة وابنتها تحت المراقبة الطبية بسبب إصابات الصدمات النفسية والجسدية، بينما ينتظران تنفيذ تعهدات العقيد عصام.

لكن الشكوك تزداد: ففي الماضي، لم يُحقق أي من المعتدين في جرائم مماثلة، رغم وجود شهود وتسجيلات. فهل سيكون هذا الحادث استثناءً؟ أم سيُضاف إلى قائمة الجرائم التي تُنسى بفعل "المصالح الأمنية"؟

دعوة عاجلة: يجب أن يكون هذا الحدث نقطة تحول

إن تكرار مثل هذه الجرائم — خاصة عندما ترتكبها عناصر مسلحة مُدربة ومرتبطة بجهات رسمية — يُهدد بأي أمل في إعادة بناء الدولة المدنية في اليمن. ولا يمكن القبول بأن تكون "الشكوى" جريمة تستحق الموت، أو أن يكون "الدفاع عن الأطفال" ذريعة لإطلاق النار على مدنيين.

نطالب:

  1. إحالة المتهمين فورًا إلى المحكمة العسكرية، دون أي تأخير أو تلاعب.
  2. فتح تحقيق دولي مستقل بمشاركة منظمات حقوق الإنسان، للتأكد من عدم تغطية الجريمة.
  3. نشر تقرير رسمي عن مسؤولية القيادة العسكرية عن تصرفات أفرادها، وتحديد ما إذا كان هناك توجيه ضمني بالعنف.
  4. توفير الحماية الكاملة للدكتورة وابنتها، وعدم السماح لهما بالعودة إلى منطقتهما إلا بضمانات أمنية موثقة.
  5. تطبيق نظام "المساءلة الفورية" لكل جريمة يرتكبها عسكري ضد مدني، بغض النظر عن الرتبة أو الانتماء.

موضوعات متعلقة