الدولار بـ مليون و130 ألف .. انهيار الريال الإيراني بشكل غير مسبوق

مع دخول العقوبات الأوروبية على طهران حيّز التنفيذ، شهد الريال الإيراني انهيارًا غير مسبوق مسجلًا أكثر من مليون و129 ألف ريال مقابل الدولار الواحد، في تراجع تاريخي يعكس حجم الضغوط المتراكمة على الاقتصاد الإيراني. ويعد هذا الانهيار قفزة هائلة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عقد من الزمن، حيث بلغ سعر الدولار في ديسمبر/كانون الأول 2015 نحو 33,750 ريالًا فقط، أي أن العملة فقدت أكثر من 33 ضعفًا من قيمتها خلال عشر سنوات.
هذا التراجع الحاد في قيمة الريال ترافق مع مشهد اقتصادي مضطرب في الداخل الإيراني. فأسواق العملات الأجنبية كانت أول من تفاعل مع العقوبات الجديدة، إذ ارتفع سعر الدولار صباح الأحد إلى أكثر من مليون و130 ألف ريال قبل أن يستقر عند حدود مليون و110 آلاف ظهرًا. وفي الوقت ذاته، سجلت البورصة الإيرانية ارتفاعًا لافتًا، حيث قفز مؤشرها بأكثر من 50 ألف نقطة يوم السبت و44 ألفًا أخرى الأحد، في انعكاس لرهان بعض المستثمرين على فرص استثمارية في ظل التقلبات المقبلة.
ويرجع خبراء اقتصاديون هذا الانهيار إلى عدة عوامل متشابكة، أبرزها العقوبات الدولية التي جمدت الأصول الإيرانية وفرضت قيودًا صارمة على برنامج الصواريخ الباليستية والصفقات العسكرية، إضافة إلى اندفاع المواطنين والشركات نحو الدولار لحماية مدخراتهم وسط فقدان الثقة بالعملة المحلية. كما فشلت السياسات النقدية الحكومية المحدودة في احتواء الأزمة، لتتفاقم أزمة السيولة والقدرة الشرائية.
تداعيات هذا التراجع لا تقتصر على أسعار الصرف فحسب، بل انعكست مباشرة على حياة المواطنين. فقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية كالوقود والغذاء والدواء بنسبة تجاوزت في بعض الحالات 100%، فيما تراجعت القوة الشرائية بشكل كبير، وازدادت الضغوط على الشركات المحلية التي تواجه صعوبة متزايدة في استيراد المواد الخام وتشغيل خطوط الإنتاج. وتُظهر التقديرات أن التضخم قد يتجاوز مستويات 40–50% خلال الفترة المقبلة، مما يضع الاقتصاد الإيراني أمام تحديات خانقة.
العقوبات الجديدة تأتي لتعمّق آثار العقوبات الأميركية التي فرضتها واشنطن منذ مايو/أيار 2018 بعد انسحاب الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب من الاتفاق النووي. وقد استهدفت تلك العقوبات قطاعات النفط والغاز والمصارف، كما طالت شركات أجنبية تتعامل مع طهران، الأمر الذي خفض صادرات النفط بشكل كبير وأدى إلى انكماش حاد في الإيرادات الحكومية. هذه السياسة التي وصفت بـ"الضغط الأقصى" أسهمت في دفع الريال إلى مسار هابط طويل الأمد، لم تفلح أي محاولة إصلاحية حكومية في كبحه.
وفي ظل هذا المشهد، يقف الاقتصاد الإيراني أمام معادلة صعبة، حيث تتراكم العقوبات الخارجية مع الضغوط الداخلية لتدفع العملة الوطنية إلى مستويات غير مسبوقة، فيما يبقى المواطن الإيراني المتضرر الأكبر من هذه الانهيارات المتسارعة.
216.73.216.1