”إسرائيل في حالة طوارئ: وحدتان سريّتان لمواجهة صواريخ الحوثيين القادمة من اليمن!”

في تطوّر يُنذر بتحوّل جذري في موازين القوة الإقليمية، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، الثلاثاء، عن مخاوف أمنية إسرائيلية متزايدة إزاء التقدُّم الملحوظ في القدرات العسكرية لمليشيات الحوثي في اليمن، لا سيما في المجالات الدفاعية والهجومية المتقدمة. وبحسب الصحيفة، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية رصدت خلال الأشهر الأخيرة قفزة نوعية في قدرات الحوثيين، تمثّلت في تطويرهم لطائرات مسيرة وصواريخ بعيدة المدى، بالاعتماد على خبرات إيرانية ودعم مهندسين محليين.
216.73.216.1
وأشارت الصحيفة إلى أن الحوثيين لم يكتفوا بتصنيع هذه الأسلحة فحسب، بل أقاموا شبكة سرية من المصانع تحت الأرض، داخل أنفاق عميقة ومناطق نائية، لضمان استمرارية الإنتاج وصعوبة استهدافها من قبل القوى المعادية. ولفتت إلى أن الجيش الإسرائيلي رصد تقدماً واضحاً في نموذج "الدفاع الذاتي" الذي تعتمده الجماعة، والذي يرتكز على السرية، والتشتت الجغرافي، والاعتماد على تقنيات تصنيع محلية مدعومة بتقنيات إيرانية متطورة.
وفي مواجهة هذا التهديد المتصاعد، اضطرت إسرائيل إلى اتخاذ خطوات استباقية غير مسبوقة؛ إذ أنشأت شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي وحدتين جديدتين مخصصتين حصراً لرصد ومكافحة التهديد الحوثي. ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها: "لا نريد أن نصل إلى وضع يمتلك فيه الحوثيون يوماً ما آلاف الصواريخ الدقيقة، ما يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل".
لكن العجز الإسرائيلي عن وقف الهجمات الحوثية المتكردة دفع تل أبيب إلى اللجوء إلى سلاح التهديد العلني، في محاولة لردع الجماعة. ففي تصريحات استفزازية متكررة، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، باغتيال زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، قائلاً: "عبد الملك الحوثي، سيأتي دورك، وسنرفع علم إسرائيل على اليمن". وأضاف كاتس في منشور على منصة "إكس" (تويتر سابقاً): "سيتم إرسالك لمقابلة كامل حكومتك وجميع معرقلي المحور الشرير الذين ينتظرون في أعماق الجحيم"، متوعداً باستبدال شعار الحوثيين "الموت لإسرائيل واللعنة على اليهود" بـ"العلم الإسرائيلي الأزرق والأبيض الذي سيرفرف في عاصمة اليمن الموحّد".
تصعيد متبادل منذ 2023
تعود جذور المواجهة المباشرة بين إسرائيل والجماعة الحوثية إلى نوفمبر 2023، حين أعلنت الأخيرة شنّ هجمات على سفن في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إليها، تضامناً مع قطاع غزة إبان الحرب الإسرائيلية عليه. ومنذ ذلك الحين، تصاعدت وتيرة الهجمات المتبادلة بشكل ملحوظ، لتصل إلى ذروتها في الأسابيع الأخيرة.
ففي سبتمبر الجاري، شنّ الحوثيون سلسلة هجمات واسعة النطاق استهدفت مواقع حيوية داخل الأراضي الإسرائيلية، بما في ذلك مدن إيلات، النقب، عسقلان، ويافا، باستخدام 8 طائرات مسيرة دفعة واحدة. وجاء هذا الردّ بعد ساعات من غارة إسرائيلية استهدفت مواقع استراتيجية في صنعاء، وأسفرت عن اغتيال عدد من القيادات الحوثية البارزة.
ورداً على الاغتيالات، توعد مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، بالثأر، مؤكداً أن الجماعة "مستمرة في المواجهة مع إسرائيل حتى توقف جرائمها في غزة".
ضربات دقيقة تُربك الدفاعات الإسرائيلية
من بين أبرز العمليات التي نفّذها الحوثيون مؤخراً، استهداف مطار رامون جنوب إسرائيل بطائرة مسيرة أصابته بشكل مباشر، ما دفع السلطات الإسرائيلية إلى إغلاق المجال الجوي للمطار ووقف جميع الرحلات الجوية مؤقتاً. كما استهدفت ثلاث طائرات مسيرة مواقع عسكرية في النقب، وواحدة أخرى هدفاً حيوياً في عسقلان، إضافة إلى طائرة استهدفت مطار اللد (بن غوريون)، وطائرتين على هدف حيوي في منطقة أسدود.
وزعم الحوثيون أن عملياتهم حققت أهدافها بنجاح، مشيرين إلى أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية والأمريكية فشلت في رصد واكتشاف عدد من الطائرات المسيرة. وأكدوا أن هذه الهجمات تأتي "رداً على جرائم الاحتلال في قطاع غزة"، وضمن "استراتيجية الردّ على العدوان".
إسرائيل في حالة تأهب قصوى
وفي ظل هذا التصعيد، أعلن الجيش الإسرائيلي حالة التأهب القصوى على طول الجبهة الجنوبية، تحسباً لمزيد من الهجمات القادمة من اليمن. كما عززت إسرائيل من وجودها العسكري في جنوب البلاد، وبدأت في نشر أنظمة اعتراض إضافية، في محاولة لسد الثغرات التي كشفتها الهجمات الحوثية المتكررة.
ويُنظر إلى هذه التطورات على أنها تحوّل استراتيجي في طبيعة التهديدات التي تواجهها إسرائيل، إذ لم تعد مقتصرة على جبهتي غزة ولبنان، بل امتدت لتشمل جماعة يمنية تتمركز على بعد آلاف الكيلومترات، لكنها باتت قادرة على شنّ هجمات دقيقة داخل العمق الإسرائيلي، مستفيدة من الدعم الإيراني وخبراتها المتراكمة في حرب الاستنزاف.
ويثير هذا التصعيد تساؤلات جدية حول قدرة إسرائيل على احتواء جبهة جديدة في جنوبها، في وقت تواصل فيه حربها في غزة، وتواجه تهديدات صاروخية من حزب الله في الشمال. كما يُعقّد المشهد الإقليمي، إذ يُرجّح أن تستمر المواجهة بين تل أبيب والجماعة الحوثية، ما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في اليمن، أو تدخل دولي فعّال لكبح جماح التصعيد.