الجمعة 9 مايو 2025 01:04 صـ 12 ذو القعدة 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

ترامب بين إيران وكوريا الشمالية!

الثلاثاء 16 يناير 2018 02:04 مـ 29 ربيع آخر 1439 هـ

 في الأسبوع الأول من السنة، أثار كتاب «نار وغضب» أسئلة خطيرة عن السلوك الشخصي لدونالد ترامب وتأثيره في سياساته وقراراته، وفي الأسبوع التالي ارتكب الرئيس الأميركي خطأ شنيعاً بوصفه بلداناً مصدِّرة للهجرة إلى أميركا وصفاً غير لائق، وكأنه يؤكّد التشخيص الذي أورده مايكل وولف في كتابه. غير أن تقويم «الإيكونوميست» للعام الأول من ولاية ترامب، وإنْ لم يبتعد كثيراً عن تقويم وولف، لفت إلى أن الرئيس ماضٍ في تغيير أميركا وسياساتها والصورة التي عُرفت عنها طوال عقود مضت، سواء في التحوّلات التي يفرضها على مفاهيم العدالة التي تبنّتها وطبّقتها، أو في منظومة القوانين التي يبنيها لإغلاق أبواب اللجوء والهجرة. وبالطبع يمكن إضافة نهجه في معالجة الأزمة مع كوريا الشمالية، واستراتيجيته الباحثة عن شركاء دوليين لمواجهة إيران، وخبطته العشوائية المؤذية بالنسبة إلى الحسم أحادي الجانب لقضية القدس.

عندما تصف الأمم المتحدة تصريحات لرئيس أميركي، خلال اجتماعه في البيت الأبيض مع أعضاء في مجلس الشيوخ، بأنها «عنصرية»، فضلاً عن كونها «صادمة» و«مخزية»، فهذا لأن إهانة ترامب بلداناً وشعوباً تجاوزت حداً أخلاقياً غير مقبول في نظر القانون الدولي. وعندما يصدر الكلام عن رئيس مرّت بلاده بقرون من الصراعات الاجتماعية بسبب التمييز العنصري، فهذا ينمّ عن استهتار بالقيم الإنسانية والمواطنية التي جهد تعايش بيض أميركا وسودها لبنائها واعتناقها. صحيح أن ثمة بيئات ظلّت على تطرّفها لدى الجانبين، إلا أن أحداً لا يريد أن تستعيد أميركا مراحل قاتمة من تاريخها لمجرّد أن رئيساً يدين لأقصى اليمين العنصري بإيصاله إلى البيت الأبيض. وكان ترامب قد تلقّى تحذيراً داخلياً بسبب فلتات لسانه وموقفه الملتبس من مواجهات في تشالوتسفيل، والآن تنهال الإدانات والتحذيرات الخارجية لأن «اللهجة القاسية»، كما سمّاها، تترجم عنده بقوانين. لذلك قال النائب السابق للرئيس جو بايدن: «ليس هكذا يجب أن يتكلّم الرئيس ويتصرّف، خصوصاً ليس هكذا يجب أن يفكّر الرئيس».

لعل الظاهرة الأكثر إقلاقاً هي أن أسلوب ترامب ونهجه لا يجمعان حوله حلفاء وشركاء رغم حاجته إليهم، سواء في السياسات الداخلية أو الخارجية، بل سواء حتى عندما تكون هذه السياسات صحيحة في عناوينها ومضامينها. هذا ما أظهرته مثلاً وقائع التوتّر مع بيونج يانج، فالعالم كلّه يدين التسلّح النووي الكوري الشمالي، لكن يستحيل على أميركا تأديب هذه العربدة النووية من دون إرادة مشتركة تجمعها مع روسيا والصين. غير أن انهيار احتمالات الصفقات الكبرى أو الشاملة مع فلاديمير بوتين أو شي جين بينغ، الأول بسبب فضائح التدخل في الانتخابات الرئاسية، والثاني لأن النفوذ التجاري والاستراتيجي لبلاده يتعاظم، أطاح كل توافق. بل إن العكس هو الصحيح، فالروس والصينيون يستخدمون كيم جونغ أون كاختبار شائك لأميركا، أو كفزّاعة نووية تتطلّب من ترامب مجازفة كبيرة للقضاء عليها. والوقع أن هذا الانسداد ينسحب عملياً على الصرعات التي تخوضها أميركا أو بالأحرى تريد أن تقودها.

في يوم الغضب العالمي على تصريحاته المهينة لبلدان وشعوب، أعلن ترامب عقوبات جديدة لكيانات وأفراد، بينهم رئيس القضاء ومدير سجن رجائي شهر في إيران بسبب الاعتقالات التي شهدتها إيران. جاء ذلك في سياق تمديده «الأخير» لتعليق العقوبات الأميركية المتعلقة بالاتفاق النووي لمدة ثلاثة شهور، وإلا فإنه سيتخذ قراراً بالانسحاب من الاتفاق. هذه المهلة حددها ترامب أيضاً للتوصّل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي على تعديلات تريدها واشنطن في الاتفاق النووي. لكنّ الأوروبيين يفضّلون الإبقاء على الاتفاق طالما أن تسعة تقارير لوكالة الطاقة الذرّية، توكّد أن إيران تلتزمه، ويفصلون بينه وبين خلافات تستلزم حواراً مع إيران في شأن تجاربها الصاروخية وسلوكها في المنطقة.

بدأت الانتفاضات ربيعاً وانتهت خريفاً، بعد أن انحرفت الثورات عن مساراتها، واعتلى صهوتها الانتهازيون وصيادو الفرص القميئة من أفراد ومؤسسات ودول، فصار لسان حال غالبية البشر المترامين من الماء إلى الصحراء، أنّ الاستبداد مع الأمن والأمان، خيرٌ من الحرية مع الخراب وموت الإنسان، وهي معادلة لا تعبّر عن الحكمة بقدر ما تُفصح عن اليأس الشديد، وانحطاط الأمل.

بالأرقـــام والإحــصاءات نلوذ، حتى لا نغرق في التعميم، فقد أصدر «المنتدى الإستراتيجي العربي»، أواسط العام الماضي، تقريراً لتقدير تكلفة «الربيع العربي» خلال الســـنوات الخـــمس الماضية، كشف أنّ الدمار أصاب كامل البنية التحتية لأربع دول عربية هي ليبيا واليمن والعراق وسورية، وهو ما تصل تكلفته إلى 900 بليون دولار، فضلاً عن 640 بليون دولار الخسائر السنوية في الناتج المحلي العربي . أضف إلى ذلك 300 بليون دولار أنفقت على ما سمّاها التقرير «إجهاض الثورات».

وفي موازاة ذلك، أثمر «الربيع» عن 14 مليون لاجئ (تبلغ تكلفتهم 50 بليون دولار تكلفة اللاجئين سنوياً) و8 ملايين نازح، و4 مليون قتيل وجريح.

الخسائر في حسبتها النهائية مذهلة، وقد تتعدى أرقامها الإجمالية 2 تريليون دولار، وهو رقم فلكي كان بمقدوره أن يجعل أقطار العالم العربي، وفي طليعتها الدول المنكوبة، من أكثر الأقطار رخاءً ورفاهاً في العالم. ولكنّ إرادة الشرّ والظلم وغطرسة القوة، وعنف الاستبداد، هزمت إرادة الخير والعدل والنور.

لم تنته الحرب بعد، فالتصدّعات التي عصفت بالعالم العربي قبل ثماني سنوات، تستعاد الآن على شكل زلازل خفيفة ومتفرقة. لكنّ إغماض العين والقلب وإقفال الآذان، هو السلوك التقليدي للسلطات العربية، كأنها تعتقد أن تلك الزلازل ليست سوى تثاؤب عابر لأرض ضجرة. بيد أن ما نراه من انتفاضات الخبز العربي التي تندلع مرة في تونس وأخرى في السودان، وثالثة ورابعة في مصر، وربما نراها في فلسطين والأردن والجزائر، يؤكد أنّ عنوان المواجهات المقبلة، إن تواصل التعامي والإنكار، سيكون لقمة العيش.

الإصلاح ممكن من دون إسالة دماء إذا أراد الساسة وحكام النظام العربي أن يتقدموا خطوة، فيجسّروا الهوة مع شعوبهم، لاسيما في ظل تآكل قدرة تلك الشعوب على تسديد فاتورة الفساد في العالم العربي البالغة تريليون و200 بليون دولار، حيث إنّ خمس دول عربية في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم، وهو ما منع العام الماضي 14.5 مليون طفل من الالتحاق بالمدرسة، ما يجعل السبعة والخمسين مليون عربي، ممن لا يجيدون القراءة والكتابة، في تزايد هستيريّ.

No Album