”أطباء بلا حدود” تنسحب من مأرب وتعز وتُحذِّر من كارثة إنسانية في اليمن

حذّرت منظمة "أطباء بلا حدود" الدولية من التداعيات الإنسانية والصحية المدمّرة التي ستترتب على المدنيين في مناطق سيطرة الحوثيين، خاصةً في محافظتي مأرب وتعز، جراء الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة البحري، اللذين يُعتبران منفذين رئيسيين للمساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية إلى اليمن.
وأعلنت المنظمة الإنسانية العالمية، في بيان لها اليوم، أنها أنهت عملياتها الطبية في محافظتي مأرب وتعز بعد سنوات طويلة من العمل الإنساني المتواصل بدأت منذ عام 2019، مضيفة أنها سلّمت أنشطتها الطبية إلى الجهات المحلية المختصة. وأكدت مصادر إنسانية عاملة في القطاع أن هذا الانسحاب سيؤدي إلى توقف العديد من الخدمات الصحية الأساسية التي كانت تقدمها المنظمة، ما يفاقم الأوضاع المأساوية في ظل النقص الشديد في البنية التحتية الصحية وضعف استجابة الجهات المحلية للاحتياجات المتزايدة.
مأرب.. أكبر ملجأ للنازحين
وتشير الإحصائيات إلى أن محافظة مأرب تستضيف أكثر من 60% من النازحين داخليًا في اليمن، أي ما يزيد على 1.5 مليون شخص، معظمهم يعيشون في مخيمات متواضعة تحت ظروف معيشية قاسية. ولفتت المنظمة إلى أن توقّف خدمات الرعاية الصحية سيؤثر بشكل مباشر على حياة هذه الفئة الهشة، خصوصاً النساء والأطفال، الذين يشكلون النسبة الأكبر من المستفيدين من برامج المنظمة.
وقالت "أطباء بلا حدود" إنها عملت منذ 2019 مع السلطات المحلية في مأرب لتوفير رعاية صحية مجانية عالية الجودة، شملت تقديم خدمات طب الأسرة، والتغذية، والرعاية قبل وبعد الولادة، ودعم مراكز الصحة الأولية مثل مركز "الرمسة"، الذي كان أحد أهم المشاريع التي تديرها المنظمة.
وفي عام 2024 وحده، قدّمت المنظمة أكثر من 32 ألف استشارة طبية خارجية، وأكثر من 2,640 استشارة ما قبل الولادة، كما تم إدخال 420 طفلاً إلى مركز التغذية العلاجية المتنقلة، بالإضافة إلى توفير 6 آلاف لقاح للأطفال والنساء الحوامل.
تعز.. انهيار صحي بسبب الحصار والصراع
أما في مدينة تعز، التي تعاني من أزمة صحية خانقة نتيجة الصراعات المسلحة المستمرة منذ سنوات والحصار المطبق على بعض مناطقها، فقدّمت المنظمة خدمات طبية شاملة شملت استقبال 22,580 حالة ما قبل الولادة، و5,835 استشارة بعد الولادة، وتقديم الرعاية لأكثر من 4,214 مريضاً في قسم الولادة، وألف و558 طفلاً في قسم حديثي الولادة، بالإضافة إلى مشاركتها في تسجيل 8,879 ولادة آمنة.
وأوضحت المنظمة أنها لم تقتصر جهودها على تقديم الخدمات الروتينية، بل شملت الاستجابة الطارئة لتفشي الأمراض الوبائية مثل الكوليرا والحصبة، فضلاً عن توزيع مواد غير غذائية على النازحين المتضررين من الفيضانات الموسمية.
المنظمة تسلّم المشعل للجهات المحلية
ورغم التزامها بمواصلة تقديم المساعدة الإنسانية في مناطق أخرى من اليمن، أكدت "أطباء بلا حدود" أنها نقلت مهامها في مأرب وتعز إلى الجهات المحلية، مشيرة إلى أن ذلك جاء نتيجة تقييم مستمر للوضع الأمني والبيئة الإنسانية الصعبة التي أصبحت أكثر تعقيداً في الآونة الأخيرة.
وقالت تيلا محمد، رئيسة بعثة المنظمة في اليمن: "إن صمود الشعب اليمني خلال السنوات الماضية أمر يستحق الإشادة، وقد كان دعم الأطفال والنساء المحتاجين مسؤولية جسيمة لنا". وأضافت: "نشكر المجتمعات التي عملنا معها، ونؤكد أننا ملتزمون بمواصلة دعم الوصول إلى الرعاية الصحية عبر مشاريعنا الأخرى المنتشرة في عشر محافظات".
المنظمة لا تزال تعمل في 10 محافظات
ورغم الانسحاب من مأرب وتعز، أوضحت المنظمة أنها لا تزال تمارس نشاطاتها في عشر محافظات أخرى، وتستمر في تقديم خدمات طوارئ وإصابات، ورعاية أمومة وطفولة، ودعم صحي طارئ في المناطق الأكثر احتياجاً، حيث تواجه المجتمعات أزمات صحية وإنسانية حادة.
كما حثت المنظمة جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الأطراف المتنازعة والمجتمع الدولي، على ضمان حماية المرافق الصحية والبنية التحتية الإنسانية، والسماح بوصول آمن وغير مقيد للخدمات الطبية والمعونات الإنسانية.
الضربات الإسرائيلية تهدد حياة الملايين
وأكدت المنظمة أن القصف الإسرائيلي الأخير على مطار صنعاء وميناء الحديدة، وهما المنفذان الرئيسيان لإدخال المساعدات الإنسانية، يهددان بزيادة تفاقم الوضع الإنساني الكارثي في اليمن، الذي يعاني فيه الملايين من نقص الغذاء والماء والدواء والخدمات الأساسية.
وأشارت إلى أن سنوات الحرب الطويلة أسفرت عن تدمير البنية التحتية العامة، وتركزت الأزمة الإنسانية في اليمن ضمن واحدة من أسوأ الكارثات الإنسانية في العصر الحديث.
عن المنظمة ومصادر تمويلها
تجدر الإشارة إلى أن منظمة "أطباء بلا حدود" تعمل في اليمن منذ عام 1986، واستقر وجودها منذ عام 2007، وتمسكها بمبدأ الحياد والاستقلالية جعلها قادرة على الوصول إلى المناطق الأكثر حرجة دون تدخل سياسي أو اقتصادي. وتحصل المنظمة على 90% من تمويلها من تبرعات خاصة، مما يمنحها حرية تقييم الاحتياجات وتقديم المساعدات مباشرة إلى من هم بأشد الحاجة إليها.