”جواز سفر أمّ مريضة ثمنه 250 ريال سعودي… هل هذا هو اليمن الذي نعرفه؟”

تشهد العاصمة المؤقتة عدن أزمة إنسانية وخدمية غير مسبوقة في إصدار جوازات السفر، بعد نفاد كامل الدفاتر الرسمية المخصصة لمصلحة الهجرة والجوازات، ما أدى إلى شلل شبه كامل في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وتكدّس آلاف الطلبات منذ أسابيع دون أي حلول عملية، وفتح الباب واسعًا أمام السماسرة للاستغلال الممنهج لحاجة الناس الملحة إلى السفر لأغراض العلاج، الدراسة، أو الهجرة.
216.73.216.105
منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، توقفت مصلحة الهجرة والجوازات عن استقبال طلبات جديدة لإصدار الجوازات، بعد انتهاء آخر دفعة من الدفاتر الرسمية، التي كانت تُستخدم في ختم وتسجيل بيانات المسافرين. ولم يُعلن عن أي بديل مؤقت، ولا حتى آلية إلكترونية للتعامل مع الطلبات، ما جعل عشرات الآلاف من المواطنين — بينهم مرضى يحتاجون سفرًا عاجلًا للعلاج بالخارج، وطلاب مقبلون على دراسات جامعية، وأسر تسعى للالتحاق مع أقاربها في الخارج — عرضة لصمت بيروقراطي قاتل.
معاناة المواطنون وغضبهم يتزايد
في شوارع عدن، لا تكاد تمر ساعة دون أن يُسمع صوت غضب أحد المواطنين، الذين يقفون ساعات طويلة أمام مقر المصلحة، فقط ليُبلغوا بأن "الدفاتر نفذت"، أو أن "العمل متوقف حتى إشعار آخر".
قال أحمد سعيد، وهو مزارع من مديرية التواهي، يحاول إصدار جواز لابنه المصاب بمرض نادر يحتاج علاجه في الهند:
"أنا جيت قبل أسبوعين، وقلت لي: "تعالِ بعد شهر". اليوم جيت تاني، وقلت لي: "ما في دفاتر، وما في موعد". كم مرة أقول لهم: ابني مريض؟! هل الحياة عندكم تنتظر؟"
وأضافت فاطمة محمد، وهي أم لثلاثة أطفال ترغب في السفر مع زوجها للعمل في المملكة العربية السعودية:
"كلنا نعرف إن الدولة مشتاقة، لكن لا يمكن أن نُترك هكذا. نحن ندفع ضريبة الإهمال، بينما السماسرة يكسبون ملايين الريالات من معاناتنا".
ارتفاع أسعار الجوازات إلى 250 ريال سعودي.. والسماسرة يسيطرون
في غياب أي خيار رسمي، انتشرت ظاهرة "الوساطة" بشكل متسارع، حيث بات السماسرة يفرضون أسعارًا خيالية مقابل تسريع إصدار الجوازات، أو حتى تزوير الوثائق.
وبحسب شهادات جمعتها "وكالة الأنباء اليمنية" من عدة مناطق في عدن، فإن سعر إصدار الجواز عبر القنوات غير الرسمية وصل إلى 250 ريالًا سعوديًا (ما يعادل حوالي 930 ألف ريال يمني)، أي أكثر من عشرة أضعاف السعر الرسمي البالغ 20 ألف ريال يمني (حوالي 10 دولارات).
ويُقدّر بعض الناشطين الحقوقيين أن عدد السماسرة النشطين في هذا المجال تجاوز المئات، وأن بعضهم يتعاون مع موظفين داخل المصلحة لتسريب الدفاتر أو تزوير الختم، فيما يُطلق على هذه الشبكات اسم "سوق الجوازات السوداء".
مطالبات بمحاسبة المقصرين وتحقيق عاجل
في ظل هذا التدهور، اجتمع عدد من نواب مجلس النواب المحليين في عدن، وقدموا مذكرة رسمية إلى رئيس الحكومة المؤقتة، طالبوا فيها بـ:
- فتح تحقيق عاجل حول أسباب نفاد الدفاتر دون تخطيط بديل.
- محاسبة المسؤولين عن التقصير في توريد المستلزمات رغم التحذيرات السابقة.
- تفعيل نظام إلكتروني مؤقت للتسجيل والانتظار، وتحديد جداول زمنية واضحة لاستئناف العمل.
- تشكيل لجنة مراقبة مستقلة لتتبع عمليات البيع غير القانوني للجوازات.
خوف من تفاقم الأزمة وانهيار الثقة في المؤسسات
المخاوف الآن لا تتعلق فقط بتأخير السفر، بل بانهيار ثقة المواطنين في أي مؤسسة حكومية، خاصة في ظل تكرار نفس الأزمات في خدمات أخرى مثل البطاقات الصحية، وشهادات الميلاد، والسجل المدني.
وتشير تقارير منظمات حقوقية محلية إلى أن الأزمة قد تدفع عددًا كبيرًا من الشباب إلى اللجوء إلى طرق غير قانونية للسفر، مما يزيد من مخاطر الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.