”أوقفوا الشراء الآن! حملة مقاطعة تجتاح عدن بسبب ”خدعة الأسعار”

رغم التراجع الكبير في سعر صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني خلال الأشهر الأخيرة، ما زالت أسعار العديد من السلع الأساسية في أسواق مدينة عدن دون أي تغيير ملموس، مما أثار استياءً واسعاً بين المواطنين ودفع ناشطين اجتماعيين إلى المطالبة بمقاطعة المنتجات التي لم تنخفض أسعارها، واصفين ذلك بـ"الاستغلال الصريح لمعاناة الشعب".
216.73.216.105
وشهدت الأسواق المحلية منذ بداية العام الجاري انخفاضاً تاريخياً في سعر صرف الريال السعودي ، حيث هوى من مستويات قياسية بلغت نحو 760 ريالاً يمنياً للريال الواحد في بداية عام 2025، إلى ما يقارب 428 ريالاً حالياً، أي بتخفيض يزيد عن 43% في قيمة العملة الوطنية مقابل العملة الصعبة. وقد سُجلت هذه الانخفاضات في ظل تحسن نسبي في تدفق النقد الأجنبي عبر القنوات الرسمية، وانخفاض الطلب على العملات الاجنبية بسبب تراجع حجم الواردات غير الضرورية.
لكن في المقابل، فإن هذا التحسن المالي لم ينعكس بأي شكل ملموس على جيوب المواطنين، إذ بقيت أسعار عدد كبير من السلع الاستهلاكية الأساسية — خاصة الغذائية والأساسية — كما هي منذ أشهر، بل إن بعضها شهد تدهوراً في الجودة دون أي تخفيض في السعر.
أمثلة صادمة من السوق المحلي
على مواقع التواصل الاجتماعي، تداول المواطنون قائمة من الأمثلة الحية التي تؤكد فجوة كبيرة بين الواقع الاقتصادي والواقع المعيشي.
"نحن ندفع ثمن أرباح التجار وليس تراجع العملة"
وقال أحمد محمد، موظف حكومي في عدن:
"عندما نرى أن الريال السعودي انخفض من 760 إلى 430، نتوقع أن تنخفض أسعار الخبز، والشاي، والزيت، وحتى الدواء. لكن ما نراه هو أن كل شيء ثابت، بل وأحياناً أصبح أسوأ! شاي اليوم له نفس السعر، لكن طعمه رديء، وملمسه خشن. هل هذا عدل؟ هل هذا اقتصاد؟"
وأضاف:
"نحن لا نطالب بزيادة الدخل، بل فقط نريد أن نحصل على نفس الكمية من السلع بسعر أقل، لأننا الآن نشتري بنفس المبلغ، لكن نحصل على أقل جودة. هذا ليس تخفيضاً، هذا سرقة."
ناشطون يدعون إلى "مقاطعة اقتصادية" كوسيلة ضغط
وفي محاولة لفرض نوع من الرقابة الشعبية، دعا ناشطون اقتصاديون وحقوقيون على منصات "تويتر" و"فيسبوك" إلى حملة وطنية تحت شعار "لا تشتري ما لم ينخفض سعره"، مؤكدين أن المقاطعة الجماعية قد تكون أقوى أداة متاحة للمواطنين للضغط على التجار.
وقال أحد مؤسسي الحملة، باسم علي، وهو باحث اقتصادي مقيم في عدن:
"السوق هنا لا يخضع للقانون، بل لقوانين الربح غير الأخلاقية. التاجر لا يخسر، بل يربح أكثر، لأن تكاليفه انخفضت، لكنه يحافظ على هامش ربحه الباهظ. هذا ليس اقتصاداً، هذا انتهازية منظمة. إذا لم نتحرك جماعياً، فلن يتغير شيء. المقاطعة ليست عقاباً، بل هي حق ديمقراطي لحماية الجيب الوطني."
وأضاف:
"نحن لا نطالب ببيع الشاي بـ200 ريال، لكننا نطالب بأن يكون سعره بين 250 و300 ريال، بما يتناسب مع تكلفة الاستيراد الجديدة. هذا ليس طموحاً، هذا حد أدنى من العدالة."
تجار: "التكاليف الأخرى لم تنخفض!"
في المقابل، تبرر بعض محلات البيع الكبرى — التي رفضت الكشف عن هويتها — تمسكها بالأسعار بحجج تتعلق بـ"التكاليف الثانوية" مثل:
- تكاليف النقل من الموانئ إلى الأسواق،
- أجور العمالة،
- رسوم التخزين،
- وارتفاع أسعار العبوات البلاستيكية والمواد التعبئة.
لكن خبراء اقتصاديين يرون أن هذه الحجج "ضعيفة وغير مقنعة"، مشيرين إلى أن معظم هذه التكاليف تعتمد على العملة المحلية، وبالتالي فإن تحسن قيمة الريال يجب أن ينعكس عليها إيجاباً، وليس سلباً.
توصيات لإنقاذ الموقف
ودعا الخبراء الحكومة ومجلس إدارة البنك المركزي إلى:
- إصدار قرار فوري بربط أسعار السلع الأساسية بمؤشرات سعر الصرف الرسمي.
- تشكيل لجان ميدانية للتفتيش على الأسواق ومراقبة أسعار السلع الاستراتيجية.
- فرض غرامات مالية على التجار الذين يثبت تلاعبهم بالأسعار دون مبرر اقتصادي.
- إطلاق حملة توعوية لإعلام المواطنين بحقوقهم الاقتصادية.
بينما ينتظر اليمنيون تحسناً حقيقياً في أوضاعهم المعيشية بعد سنوات من التدهور، فإن استمرار ثبات أسعار السلع رغم تراجع الصرف يثير تساؤلات جوهرية حول مصير الأموال التي تدخل البلاد، ومن يحقق منها أرباحاً، ومن يتحمل تبعات معاناة الشعب.