”30 ألف طفل جنود... 9 آلاف قتيل... هذا ما فعله الحوثيون بأطفال اليمن خلال 10 سنوات!”

كشف تقرير حقوقي يمني صادم، تم تقديمه على هامش الدورة الـ60 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، عن ارتكاب مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا لأكثر من 21 ألف انتهاك جسيم بحق أطفال اليمن خلال العقد الماضي (من 1 يناير 2015 حتى 1 يوليو 2025)، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدها القرن الحادي والعشرون في مجال حقوق الطفل.
216.73.216.105
الوثيقة، التي تحمل عنوان "أطفال اليمن بين القتل والتجنيد"، أعدتها بالتعاون بين الشبكة اليمنية للحقوق والحريات ورابطة معونة لحقوق الإنسان والهجرة، وتُعد أول توثيق شامل ومنظّم لانتهاكات الأطفال على يد المليشيا الانقلابية، مستندة إلى آلاف الشهادات الميدانية، وسجلات المستشفيات، وتوثيق الضحايا من قبل فرق محلية تعمل تحت ظروف خطرة، بالإضافة إلى بيانات منظمات دولية غير حكومية نشرت تقارير جزئية خلال السنوات الماضية.
أرقام تُذيب القلب: قتلى ومصابون ومحرومون من المستقبل
وفق التقرير، فقد أسفرت الانتهاكات الحوثية عن:
- 9,914 طفلاً قتيلاً، معظمهم سقطوا في غارات جوية أو إطلاق نار مباشر أو كمين عسكري.
- 6,417 طفلاً مصاباً، بينهم مئات أصيبوا ببتر أطراف أو إعاقات دائمة نتيجة الألغام أو القصف العشوائي.
- 598 حالة اعتقال واختطاف، طالت أطفالاً من جميع المحافظات اليمنية الـ21، لكن الأغلبية الساحقة (87%) جاءت من محافظات صنعاء، حجة، عمران، وصعدة — وهي المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا. وأفاد التقرير أن غالبية حالات الاختطاف تمت لابتزاز الأهل مالياً أو سياسياً، حيث تُفرض فدية تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات، أو تُستخدم الأطفال كرهائن لمنع معارضة الأسر للحوثيين.
جرائم لا تُصدق: اغتصاب، تجنيد، وقتل بأيدي الأطفال أنفسهم
ولم تقتصر الجرائم على القتل والإصابة، بل امتدت إلى جرائم ضد الإنسانية:
- 51 حالة اغتصاب بحق أطفال (ذكور وإناث)، ربطها التقرير مباشرة بقيادات وضباط حوثيين، وأعضاء في "لجان أمنية" تابعة للمليشيا، بعضها حدث داخل مراكز احتجاز أو مدارس تم تحويلها إلى ثكنات.
- أكثر من 30 ألف طفل تم تجنيدهم قسراً، تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، وتم تدريبهم على استخدام الأسلحة الخفيفة والمتفجرات، في خطوط المواجهة الأمامية، وفي عمليات تفخيخ المنازل والطرق، وحتى كـ"دروع بشرية". ويشير التقرير إلى أن المليشيا تستخدم "التعليم الطائفي" في المدارس التي تسيطر عليها لغرس أفكار الكراهية والانتحار كـ"شرف"، مما حوّل الأطفال إلى أدوات حرب.
وفي مشهد مروع لا مثيل له في أي نزاع معاصر، رصد التقرير 314 جريمة قتل وإصابة نفذها أطفال بحق أقاربهم، منها:
- 189 حالة قتل لأبوين أو أعمام أو أخوة.
- 125 حالة إصابة بأسلحة نارية أو متفجرات.
وأوضح التقرير أن هذه الجرائم ليست ناتجة عن "انحراف فردي"، بل هي نتيجة برنامج تعبئة طائفية منهجية، تُمارس عبر "الدورات التثقيفية الإجبارية" في المدارس والمساجد، و"القصص البطولية" التي تُروى للأطفال عن "الشهداء الصغار"، و"العقاب الجماعي" الذي يُفرض على عائلات الأطفال الذين يرفضون التجنيد. وأشار التقرير إلى أن "الأعداد الفعلية قد تكون أعلى بكثير، لأن المليشيا تمنع أي توثيق أو إعلام، وتهدد العائلات بالقتل إذا تحدثوا".
التعليم محظور، والمستقبل مسروق
لم تكتفِ المليشيا باستهداف أجساد الأطفال، بل سعت لتدمير عقولهم ومستقبلهم:
- 2.5 مليون طفل حرموا من استكمال تعليمهم بسبب التهجير، أو إغلاق المدارس، أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية، أو معسكرات تدريب، أو مراكز إيواء للنازحين.
- أكثر من 2 مليون طفل أجبروا على ترك المدارس والانخراط في سوق عمل غير آمن، يعملون في مقالع الرمال، ومحطات الوقود، وجمع النفايات، أو كعمال في مصانع غير مرخصة، دون أي ضمانات قانونية أو صحية، وبأجور زهيدة لا تكفي لشراء خبز يومي.
جحيم إنساني: 17 مليون طفل بحاجة لمساعدة
وأكد التقرير أن انقلاب الحوثي في 2014/2015 لم يكن مجرد انقلاب سياسي، بل كان انقلاباً على الإنسانية، حيث خلق بيئة كارثية جعلت أكثر من 17 مليون طفل يمني — أي ما يزيد عن 80% من إجمالي عدد الأطفال في البلاد — بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية، سواء كانت غذائية، صحية، نفسية، أو تعليمية.
كما ذكر التقرير أن آلاف الأطفال فقدوا آباءهم، الذين يقبعون في سجون سرية تديرها المليشيا، أو قُتلوا في المعارك، أو اختفوا بعد اعتقالهم، بينما تبقى الأمهات والأجداد يكافحن من أجل إطعام أطفالهن في ظل انهيار الاقتصاد وانقطاع الرواتب.
دعوات عاجلة للمجتمع الدولي: محاسبة ولا مصالحة مع الجناة
في ختام التقرير، دعت المنظمتان اليمنيتان المجتمع الدولي إلى:
- إدراج كافة القيادات الحوثية المتورطة في انتهاكات الأطفال — بما في ذلك قادة "اللجنة الأمنية العليا" و"مكتب التربية" و"القيادة العسكرية" — على القائمة السوداء للأمم المتحدة لمرتكبي انتهاكات حقوق الطفل في النزاعات المسلحة.
- فتح تحقيق دولي مستقل وشفاف برعاية الأمم المتحدة، بمشاركة مراقبين دوليين، لتوثيق جرائم الحرب المرتكبة ضد الأطفال، واستدعاء الشهود، وحفظ الأدلة.
- تحويل كل من ثبت ارتكابه جرائم حرب ضد الأطفال إلى القضاء الدولي، سواء عبر محكمة الجنايات الدولية أو محاكم خاصة، وفق مبدأ "العدالة لا تسقط بالتقادم".
- فرض عقوبات مالية وسياسية موجّهة على الجهات الإيرانية الداعمة للمليشيا، بما في ذلك تجميد أصول وفرض حظر على تصدير التقنيات العسكرية أو الدعم اللوجستي.
- دعم البرامج النفسية والاجتماعية للأطفال الناجين، وبناء مراكز إعادة تأهيل، وتأمين عودة آمنة للأطفال المفرج عنهم من السجون الحوثية.
تحذير من "النسيان": اليمن لا يمكن أن يكون ساحة لتجربة إبادة جماعية للأجيال
وقال أحد ممثلي الشبكة اليمنية للحقوق والحريات أثناء عرض التقرير في جنيف:
"نحن لا نتحدث عن أرقام. نحن نتحدث عن أطفال كانوا يرسمون أحلاماً، ويحبون كرة القدم، ويرغبون في أن يصبحوا أطباء أو مهندسين... اليوم، أصبحوا جثثاً في المقابر الجماعية، أو أشباحاً في مخيمات النزوح، أو قنابل متحركة في خطوط المواجهة. هذا ليس حرباً... هذا إبادة جماعية بأسلوب حديث. العالم لا يزال صامتاً، لكن أصوات أطفال اليمن لن تموت حتى لو أُطلق عليهم النار."
خاتمة: هل سيظل العالم شاهداً أم فاعلاً؟
إن تقرير "أطفال اليمن بين القتل والتجنيد" ليس مجرد وثيقة حقوقية، بل هو صيحة إنذار أخيرة من جيل كامل يُستهدف — ليس فقط كضحية للحرب، بل كأداة للحرب. فالعالم لم يعد أمام خيار: إما أن يوقف هذا الجنون، أو أن يتحمل مسؤولية التاريخ في تمرير جريمة ضد الإنسانية، باسم "الاستقرار" أو "السياسة الواقعية".