رسالة مؤثرة من زوجة الكاتب المختطف أوراس الإرياني إلى زوجها المفقود في صنعاء

في مشهد يمزج بين الحنين والقلق والحبّ الممزوج بالألم، وجّهت السيدة إيناس محمد علي عثمان رسالة مؤثرة إلى زوجها الكاتب والشاعر اليمني أوراس الإرياني، الذي اختُطف مساء الاثنين الماضي من أمام منزله في العاصمة صنعاء، على يد عناصر تابعة لجماعة الحوثي، أثناء توجّهه إلى محل البقالة القريب.
216.73.216.114
الرسالة، التي نشرتها إيناس عبر الحائط الرسمي لزوجها على موقع "فيسبوك"، لم تكن مجرد نداءٍ لزوج مفقود، بل كانت لوحة إنسانية حية تجسّد تفاصيل الحياة اليومية التي تهاوت بغيابه، وتعبّر عن فراغٍ لا يملؤه سوى عودته.
"هل تسمح لي بدقيقة نكد؟"
بدأت إيناس رسالتها بكلماتٍ بسيطة تحمل في طيّاتها ثقل الغياب:
"حبيبي أوراس، هل تسمح لي بدقيقة نكد؟ أودّ إخبارك أن سكرة، قطتنا الصغيرة، أصبحت تنام كثيرًا وتوقفت عن اللعب..."، لتسرد بعد ذلك كيف أن كلّ كائن في بيتها — من القطط إلى الكلاب، ومن الجيران إلى الأثاث — يعاني من غيابه.
تصف إيناس كيف أن قطط البيت، التي اعتادت على يده وحنانه، دخلت في "إضراب عن الطعام" لأنها لا تقبل الطعام الذي تُعدّه هي، مهما حاولت تقليد طريقة تقديم أوراس لها. حتى "أسماء"، ابنة الجيران الصغيرة، لم تنم جيدًا منذ اختفائه، وتبحث عن أيّ ذريعة تسأله عنها، وترسل له مقطعًا صوتيًّا عبر "واتساب" تطلب فيه عودته "بسرعة".
تفاصيل يومية تتحول إلى نداء
تتعمّق الرسالة في تفاصيل الحياة الزوجية البسيطة التي أصبحت اليوم رموزًا للحنين:
- الدبّة الغاز التي فرغت، فركّبت غيرها، لكنها نسيت أن تلبسها "اللباس" الذي كان أوراس دائمًا ما يستهين به قائلًا: "مافيش داعي لها".
- طرق الباب التي اعتادت سماعها، والتي تنتظرها اليوم دون أن تصرخ كما كانت تفعل: "لماذا لم تأخذ مفتاحك؟".
- القمامة التي خرج من أجلها آخر مرة، والتي تقول إنها ستخرجها بنفسها هذه المرة، "ولن ألومك على رمي الملف كل مرة تشتري غيره".
الفراغ الذي لا يُملأ
تكشف إيناس عن حالة الارتباك والتشتت التي تعيشها منذ اختفائه:
"كثير من الأصدقاء اتصلوا وسألوا عنك، وكنت أسأل عن هوية المتصل لأن الأرقام جديدة... آمل أن تكون أنت. لكن بمجرد أن أنهي المكالمة، أنسي من تحدّثت إليه، لأنّ ذهني مشغول بك."
وتصف كيف أن محاولات الأصدقاء إدخال الضحك إلى قلبها عبر النكات باءت بالفشل، لأنّ "الضحك الحقيقي لا يأتي إلا من نكاتك وقفشاتك". وتضيف بصدقٍ مؤلم:
"أحاول أن أكون متماسكة، لكن من أين لي بذلك وأنت قوتي التي افتقدها؟"
الحبّ الذي كشفه الغياب
في لحظة صادقة من الاعتراف، تقول إيناس:
"لم أكن أعلم أنني أحبك بهذا القدر الذي كان يراه الآخرون ولا أراه أنا... لكن دموعي الآن هي من تغذّيني بهذا الحب."
وتختم جزءًا من رسالتها بقولها:
"حبيبي أوراس، لم ترسل لي كلمة 'أحبك' منذ اختفيت... لكني أحبك، وأكثر بكثير مما تتوقع. وستقولها، وسأقولها لك أضعافًا كثيرة حين تعود."
المنزل ينوح غيابك
تتحول الجدران والأثاث في رسالة إيناس إلى كائنات حيّة تشتاق لأوراس:
- الجدران "باهتة، ذابلة، موحِشة"،
- طفاية السجائر "تمسّكت بما تبقى من أعْقاب سجائرك"،
- الطاولة "تشتاق لسَعَات سجائرك"،
- حتى السرير والوسادة "فقدا توازنهما" لتأخّره.
وتختتم رسالتها بمشهدٍ يدمّع العين:
"صوّرت لك مقطع فيديو أرسلته لك، وسكرة (القطة) تلاحق أمها تحاول أن ترضع بأي طريقة، حتى وهي تمشي!"
ثم تعود لتقول بحنينٍ لا ينتهي:
"أوراسي... دقّتي لم تبدأ بعد. تدري يا عمري، اللي بتكون جالس معاهم الآن يكونوا مبسوطين ويضحَكوا ومستمتعين بوجودك... وصرت أغار عليك منهم. عندما تبدأ الدقيقة، أخبرني حتى أبدأ الحديث معك."
نداء إنساني وسط صمت مريب
ويأتي نشر هذه الرسالة في ظلّ صمت مريب من جماعة الحوثي حول مصير أوراس الإرياني، الذي يُعدّ من الأصوات الثقافية البارزة في اليمن، ويُعرف بآرائه النقدية وكتاباته الأدبية التي تناهض الظلم والقمع.
وتطالب منظمات حقوقية دولية ومحلية، وكذلك أوساط أدبية وثقافية يمنية، بالإفراج الفوري عنه، وتحمل جماعة الحوثي المسؤولية الكاملة عن سلامته، مُحذّرة من تداعيات استمرار اختطاف المثقفين والكتّاب في مناطق سيطرتها.
في الوقت الذي تنتظر فيه إيناس عودة زوجها، تبقى رسالتها شاهدًا على حبٍّ لا ينكسر، وعلى وطنٍ يُسجَن فيه الأحرار لمجرد أنهم يكتبون، ويعيشون، ويحبّون.