إيران .. أين غزة ؟!

بينما كانت السماء تمطر نارًا فوق رؤوس الأطفال في غزة، كانت طهران تجلس إلى طاولة التفاوض تتباحث فقط حول أمنها، وتغلق ملفات النار والصواريخ دون أن تذكر، ولو مرة واحدة، الدم الفلسطيني النازف. فهل هذا هو العمق الاستراتيجي الذي وعدت به إيران جماهير الأمة؟ وهل هذا هو “محور المقاومة” الذي لم يقاوم سوى حين احترق طرف ثوبه؟
حرب بلا قضية
اندلعت مواجهة محدودة ولكن خطيرة بين إيران وإسرائيل، استمرت لأيام، بعد ضربات إسرائيلية على منشآت داخل إيران وسوريا. وردّت طهران بشكل متوقع، وبصورة محسوبة، ثم أسرعت إلى قبول وقف لإطلاق النار بوساطة أمريكية مباشرة، دون أن تربط هذه التهدئة بأي شرط إنساني أو سياسي يتعلق بغزة.
إن تجاهل إيران الكامل لمعاناة الشعب الفلسطيني في هذا الظرف غير المسبوق، يكشف خللًا بنيويًا في خطابها السياسي. فإذا كانت صواريخها تُمطر صحراء النقب عندما تُضرب قواعدها في دير الزور، فلماذا تسكن منصاتها حين يُباد الآلاف في غزة؟ ولماذا تُغلق فمها حين تُقصف المشافي وتُهدم البيوت فوق النساء والأطفال؟
صمت استراتيجي أم تخاذل أخلاقي؟
البعض قد يُبرر لإيران، بحجة أنها لم تكن في موقع تفاوضي قوي، أو أن الضربات أصابتها في العمق، أو أنها تحاول تجنب حرب شاملة. لكن كل هذه التبريرات تسقط أمام الحقيقة الأخلاقية الصلبة: حين تُستباح غزة، فإن من يدّعي المقاومة لا يملك أن يسكت.
كان بإمكان طهران – لو أرادت حقًا – أن تُصِرّ على وقف المجازر في غزة كشرط لوقف النار، أو على الأقل أن تُعلن ذلك على منابرها، فيجبر العالم أن يسمع. لكنها لم تفعل. لم تذكر غزة حرفًا، لا في إعلانها، ولا في تفاوضها، ولا في شرطها.
أوراق الغائبين لا تنقذ الغريق
قد يُقال إن إيران فضّلت تأجيل إدخال غزة كورقة تفاوض لتستخدمها لاحقًا في ملف العقوبات أو التخصيب النووي. لكن هذا التحليل البارد لا يليق بحجم الكارثة، ولا بمكانة القدس. غزة اليوم لا تملك رفاهية الانتظار، ولا قيمة لأي مكاسب مؤجلة إذا كانت تُشترى بدماء الشهداء. من يؤجل نصرة غزة بحساب المصالح لا يستحق أن يُحسب على قضيتها.
كلام كثير وصمت وقت الفعل
منذ سنوات، امتلأت شاشات الإعلام الإيراني بخطابات المقاومة، والحديث عن تحرير القدس، وتحالفات المحور. لكن اللحظة الفاصلة جاءت الآن: لحظة لا تَطلب بيانات، بل مواقف. لا تُجدي فيها التصريحات، بل الأفعال.
وقد تبيّن أن هذا “المحور” الذي يتفاخر بالمواجهة، ما زال يتحرك فقط حين تُصاب أطرافه، لا حين يُذبح قلب الأمة.
النتيجة: الحقيقة أقوى من الخطاب
لن تُجدي الشعارات كثيرًا بعد اليوم. لقد تَكشّف المشهد، واتضحت النوايا، وتهاوت الأقنعة. من يقف حقًا مع غزة، يُظهر ذلك في الوقت الصعب، لا حين تُفتح المنصات.
أما من يربط المقاومة بحساباته الخاصة، فسيسجله التاريخ في خانة من تاجروا بدمائنا، لا من دافعوا عنها.