الإثنين 4 أغسطس 2025 04:22 صـ 10 صفر 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

الحوثيون والبحر الأحمر – قراءة في تحليل جيم كرين

الإثنين 4 أغسطس 2025 04:31 صـ 10 صفر 1447 هـ
الحوثيون والبحر الاحمر
الحوثيون والبحر الاحمر

في خضم الحرب الإسرائيلية على غزة وارتداداتها الإقليمية، برز الحوثيون كلاعبٍ غير تقليدي في ساحة الضغط الاستراتيجي، مستهدفين الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، ومثيرين بذلك أزمة دولية. الباحث الأميركي جيم كرين (Jim Krane) – الزميل في “معهد بيكر للسياسة العامة” بجامعة رايس – قدّم تحليلًا لافتًا يرى فيه أن هذه الهجمات تمثل شكلًا جديدًا من أشكال الحرب الاقتصادية، تخدم الأهداف الإيرانية في الإقليم، وتعيد تشكيل توازنات الشحن التجاري العالمي.

أولاً: الحوثيون كأداة استراتيجية في الحرب غير المتكافئة

يطرح كرين رؤية ترى أن:
الحوثيين لا يعملون بمعزل عن الدعم الإيراني، بل يمثلون أحد أذرع الحرب بالوكالة ضمن استراتيجية طهران الأوسع.
طهران تموّل وتدرب جماعات قادرة على إحداث اضطراب استراتيجي في نقاط محورية بتكلفة منخفضة.
الهجمات الحوثية ضد السفن لا تهدف فقط إلى إثارة الذعر أو تعطيل مؤقت، بل تستخدم كسلاح ضغط استراتيجي أشبه بـالعقوبات الاقتصادية غير الرسمية ضد الدول الداعمة لإسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا.

ثانيًا: أثر الهجمات على سلاسل التوريد العالمية

1. تعطيل الطرق البحرية
استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر أجبر المئات من شركات النقل على تغيير مسارها حول رأس الرجاء الصالح، ما زاد من زمن الشحن والتكاليف بنسبة تتراوح بين 50% و300% حسب الوجهة.
الشركات المتضررة الكبرى تشمل: Maersk، Hapag-Lloyd، CMA CGM.

2. ارتفاع الأسعار وتأخير الإمدادات
هذه التحولات سببت:
ارتفاع أسعار السلع والبضائع في أوروبا والشرق الأوسط.
تباطؤ في تسليم المنتجات، وخاصة السيارات، الإلكترونيات، والسلع الغذائية.
ضغطًا على شركات التأمين البحري التي رفعت بدورها تكاليف تغطية المخاطر.

ثالثًا: الحسابات الجيوسياسية

1. استثناء محسوب لبعض الدول
وفقًا لكرين، فإن السفن الروسية، الصينية، والآسيوية غالبًا ما يتم استثناؤها من الاستهداف الحوثي، وهو ما يشير إلى وجود “قائمة انتقائية” تعتمد على الموقف من الحرب على غزة.
هذه الاستراتيجية تسعى لـ:
توسيع الفجوة بين الغرب وبقية العالم.
تحييد القوى الدولية غير المعادية لإيران أو الحلفاء الحوثيين.

2. الضغط غير المباشر على إسرائيل
رغم أن الحوثيين لا يملكون القدرة المباشرة على ضرب إسرائيل عسكريًا بشكل فعال، فإنهم يمارسون ضغطًا اقتصاديًا غير مباشر على حلفائها من خلال تكاليف الشحن، بما يشبه ما تفعله العقوبات الأميركية ولكن بعكس الاتجاه.

رابعًا: السيناريوهات المستقبلية

أ. التصعيد المستمر:
استمرار الهجمات قد يؤدي إلى تدويل الصراع بشكل أوسع، ويدفع بقوات أجنبية (خصوصًا أميركية وبريطانية) إلى مواجهة مفتوحة في اليمن أو ضد مواقع حوثية.

ب. الردع التدريجي:
حملات عسكرية محدودة على منشآت الحوثيين قد تؤدي إلى تقليص الهجمات مؤقتًا، لكنها لن تنهي التهديد ما لم يُعالج الرابط الإيراني الحوثي.

ج. تسويات جزئية:
قد تسعى بعض القوى الدولية (مثل الصين أو تركيا) إلى رعاية مفاوضات غير رسمية لتقليل التوتر في البحر الأحمر، خاصة إذا تصاعدت خسائر الاقتصاد العالمي.

خامسًا: الخلاصة

يرى جيم كرين أن الحوثيين استطاعوا من خلال أدوات بسيطة وقليلة التكاليف أن يعيدوا تشكيل حسابات قوى عظمى في البحر الأحمر، ويضيفوا بعدًا اقتصاديًا مقلقًا لحرب إقليمية طاحنة. في نظره، يمثل هذا نموذجًا لما يسميه “الردع غير المتكافئ”، والذي يمكن لدولة ضعيفة أو جماعة مسلحة أن تحققه من خلال أدوات غير تقليدية، تستهدف الاقتصاد والتجارة العالمية بدلاً من الجيوش أو الحكومات بشكل مباشر.


المصدر الرئيسي:
Jim Krane, “Blowback From Gaza: Geopolitics of the Houthi Red Sea Campaign,” Baker Institute, 2024.

موضوعات متعلقة