تعز تُطفئ أنوارها نعيًا لأفتهان: إضراب عمال النظافة يُغرق المدينة بالقمامة بعد اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين

في مشهد يمزج بين الحزن والغضب، تشهد مدينة تعز انهيارًا شبه كامل في منظومة النظافة، حيث تراكمت أكوام القمامة أمام السوق المركزي وسوق السمك، وأغلقت الشوارع الرئيسية، وامتلأت الأحياء بالروائح الكريهة والحشرات، وذلك في أعقاب إضراب شامل لعمال النظافة احتجاجًا على اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين، الناشطة الحقوقية والقيادية الميدانية، أفتهان المشهري.
216.73.216.39
كانت "أفتهان" – رحمها الله – ليست مجرد موظفة حكومية، بل كانت القلب النابض لمنظومة النظافة في تعز، المدينة التي عانت من أقسى أنواع الحصار والدمار.
قادت جهود إعادة تأهيل قطاع النظافة من تحت الركام، ودافعت عن حقوق عمالها، وناضلت من أجل بيئة صحية في ظل انهيار الخدمات، وواجهت التهديدات والضغوط بصلابة نادرة. واغتيالها الجبان – في وضح النهار، أمام مقر عملها – لم يُفقد المدينة فقط قائدة استثنائية، بل أشعل فتيل غضب عارم بين صفوف العمال الذين رأوا فيها الأم والزميلة والدرع الواقي.
ومنذ لحظة اغتيالها، أعلن عمال النظافة في تعز الإضراب المفتوح، رافعين شعار:
"لن ننظف المدينة وهي تقتل من ينظفها!"
ويقول أحد قادة الإضراب، وهو عامل نظافة يعمل منذ 15 عامًا:
"أفتهان كانت تعرف أسماءنا، تتفقد أحوالنا، تدافع عنا أمام المسؤولين، وتُصرّ على دفع مستحقاتنا حتى لو من جيبها الخاص. من قتلها لم يقتل امرأة فحسب، بل قتل الضمير الذي كان يُبقي تعز نظيفة وسط كل هذا الدمار. لن نعود للعمل حتى يُكشف القاتل ويُحاسب، وحتى تُعلن السلطة خطة وطنية لحماية الناشطين والموظفين الميدانيين".
وتُعد الأسواق المتضررة – لا سيما سوق السمك والسوق المركزي – من أكثر المناطق خطورة، إذ تتحول أكوام القمامة المتراكمة إلى مصائد للأوبئة، مع تحلل بقايا الأسماك ومخلفات الباعة وسط درجات حرارة مرتفعة، ما يهدد بكارثة صحية وشيكة قد تطال عشرات الآلاف من السكان، خاصة الأطفال وكبار السن.
ويحذّر أطباء محليون من أن استمرار الوضع لأكثر من أسبوع قد يؤدي إلى تفشي وباء الكوليرا أو التيفوئيد، في ظل انهيار البنية التحتية الصحية وضعف الإمكانيات.
ويقول الناشط الحقوقي محمد القباطي:
"اغتيال أفتهان جريمة مزدوجة: فهي جريمة ضد شخص، وجريمة ضد مدينة بأكملها. من قتلها لم يقتل موظفة، بل قتل منظومة نظافة، وخلق فراغًا لا يمكن ملؤه بسهولة. والعمال اليوم لا يضربون طلبًا للمال، بل نعيًا للضمير، ورفضًا للإفلات من العقاب. الصمت الرسمي تجاه دمها هو ما حوّل تعز إلى مكبّ نفايات مفتوح".
ورغم خطورة الوضع، لم تُصدر السلطة المحلية أو مكتب الصحة أو حتى وزارة الإدارة المحلية أي بيان يُعلن خطة طوارئ، أو يُطمئن المواطنين، أو يُطالب بالتحقيق في الجريمة، ما يزيد من غضب الشارع ويدفع بالمدينة نحو حافة الهاوية.
إن أزمة القمامة في تعز اليوم ليست فشلًا لوجستيًا، بل هي انعكاس لجريمة سياسية وأخلاقية كبرى. إنها رسالة مُرعبة: عندما تُقتل من تحمي المدينة من الأوبئة، تصبح المدينة نفسها وباءً.