السبت 2 أغسطس 2025 10:33 مـ 8 صفر 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

مناهج التشييع القسري في اليمن: كتاب ”الحديث والتهذيب” نموذجا

السبت 2 أغسطس 2025 10:31 مـ 8 صفر 1447 هـ
مناهج التشييع القسري في اليمن: كتاب ”الحديث والتهذيب” نموذجا

في مناطق الاحتلال الحوثي، لم يعد التعليم وسيلة لبناء الإنسان وتنمية الوعي الوطني، بل تحوّل إلى أخطر أدوات الهيمنة الفكرية والطائفية، بعد أن تم تجيير المناهج الدراسية لفرض سردية مذهبية قائمة على الاصطفاء السلالي، ونفي الآخر، وإقصاء المكونات السنية من الفضاء التعليمي والديني.

أحدث الأدلة على هذا التوجّه، كتاب "الحديث والتهذيب" المقرّر على طلاب الصف الثالث الثانوي في مناطق سيطرة الحوثي، والذي يُظهر بوضوح كيف يتم إعادة إنتاج التشيّع الزيدي في ابشع نسخه، وفرضه على طلاب ينتمون لبيئة سنية خالصة، عبر انتقاء الأحاديث، وتحريف سياقاتها، وتفسيرها ضمن أطر عقائدية ضيقة، تمهّد لتقديس السلالة، وترسيخ مشروع الإمامة الزيدية.

يفرد المنهج الحوثي درسا خاصا لحديث الثقلين، بالصيغة المتفق على تضعيفها "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي" ثم يبنى على هذا الحديث تأويل مذهبي يعتبر أن الهداية لا تتحقق إلا عبر آل البيت المزعومين، وأنهم وحدهم القناة الشرعية لفهم الدين، بل وتتكرس الفكرة بأن ولايتهم ليست خيارا، بل شرط للإسلام والنجاة، ويغيب عن المنهج – عمدا – أن هذا الحديث مختلف في صحته، وأن روايته بهذه الصيغة محل خلاف بين علماء الحديث.
فحديث "العترة" ورد بعدة طرق، منها ما رواه الترمذي وقال عنه: "حديث حسن غريب"، لكنه لم يصحّحه، وعلّق عليه بعض أهل العلم بأنه منكر الإسناد.
أما رواية "كتاب الله وسنتي"، فهي المشهورة عند أهل السنة، وقد رواها مالك، وصححها الحاكم والبيهقي، وجعلها كثير من العلماء أرجح وأوثق، خاصة لثبوت معناها وموافقتها للأحاديث المتواترة في الحث على السنة.
وقد اتفق المحدثون والفقهاء أن رواية "العترة" – ان ثبتت- لا تدل على العصمة أو الحصرية، وإنما تُفهم على ضوء الشرع ومجمل النصوص، وأن الاقتداء بآل البيت يكون في حال استقامتهم على السنة، لا باتخاذهم مرجعية فوق النصوص أو وسطاء بين العبد وربه.

هذا التحريف في المنهج لا ينطلق من احترام التعدد، بل من مصادرة الموروث السني كليا، فطلاب السّنة، الذين يشكّلون كل الشعب اليمني تقريبا، يُدرّسون اليوم تأويلات حصرية تنتمي للمذهب الزيدي الهادوي – الذي يُعد في أصله أحد روافد التشيع – بل تجاوزته المناهج الجديدة نحو الاثني عشرية الصريحة، ليعود كما بدأ جزء لا يتجزأ من منظور الشيعة الأكثر تطرفا وغلوا.
يغيب تفسير الحديث وفق منهج السنة، وتُستبعد مصادرها، ويُفرض بديلا عنها خطاب تعبوي يقوم على تقديس السلالة، والطعن الضمني في الصحابة، وإقصاء رموز المدرسة السنية.

هذا الانحراف المنهجي لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى الجذر العقائدي للإمامة الزيدية، التي أسسها الكاهن يحيى بن الحسين الرسي طباطبا، القادم من فارس إلى صعدة عام 284 هـ، فالكاهن الرسي – الذي يقدّمه الحوثيون اليوم كمجدد للدين – قرر في كتبه أن الإيمان لا يكتمل إلا بالولاية، فقال: "ولا يكون المؤمن مؤمنا إلا أن يؤمن بولاية علي بن أبي طالب، بايقن الإيقان." ومن هذه الفكرة نشأت عقيدة الولاية، واشتُقّت مفاهيم الإمامة، والعصمة، واحتكار التأويل، حتى بات الدين مرهونا بالسلالة، لا بالنصوص.

لا يطرح الحوثي في مناهجه فكرة للتأمل أو النقاش، بل يقدّم سردية واحدة باعتبارها الحقيقة المطلقة، كل من يخالف هذه السردية – ضمنا أو صراحة – هو في نظرها ضال، مفرّط، أو ناقص الهداية، وهنا يكمن الخطر الحقيقي، فالمناهج الحوثية لا تنتج متعلمين، بل جنودا لعقيدة، تنزع عنهم القدرة على النقد، وتُلبسهم عباءة الطائفية، وتُبرمجهم على معاداة كل مختلف.

ما يجري هو عملية "استيطان فكري" في عقول طلاب اليمن، يزرع خطاب مذهبي ضيق في مدارس أهل السنة، يُعيد إنتاج منظومة الإمامة الزيدية، ويُقحم عقائد متنازع عليها في قلب المنهج.
تحاصر حرية الاعتقاد في مناطق الاحتلال الحوثي ولم تعد الأسرة السنية قادرة على تربية أبنائها على عقيدتهم، فالمدرسة أصبحت حاضنة أيديولوجية لا دينية فقط، الطالب يُعلَّم أن الإيمان لا يتم إلا عبر "السلالة"، وأن كل من يخالفها "ضال"، وأن الدين ليس بين العبد وربه، بل بينه وبين "ظل الله في الأرض"، كما يزعمون.
ما يفعله الحوثي في التعليم أخطر من السلاح، وأعمق من الشعارات، إنه اغتيال للهوية، وقتل للانتماء، ومسخٌ ديني باسم خرافة آل البيت، ومن يزرع هذه العقيدة في كتب المدارس يعد العدة لحروب الغد الطائفية، فحين يُلقّن الطالب أن جماعة واحدة فقط على الحق، وأن كل من يخالفها ضال أو عدو، وأن مخالفة السلالة كفر، فلا تستغرب أن يتحول هذا الطالب إلى مشروع مقاتل، أو مفخّخ، أو خطيب تكفيري، يُقصي المجتمع، ويُشرعن العنف، ويحتقر مخالفيه.
ولهذا، فإن مواجهة هذا المشروع تبدأ من تحرير المناهج، ومن إعادة الاعتبار لموروث اليمنيين الديني الوسطي، ولن يتم ذلك الا بالتحرك الجاد لتحرير الأرض وإنقاذ اليمنيين في مناطق الاحتلال والإرهاب الحوثي من العبث في مناهجهم وعقيدتهم، وكسر تفخيخ الحاضر والمستقبل الذي تمارسه السلالة على كل المستويات التعليمية والثقافية والفكرية.

موضوعات متعلقة