الأحد 21 سبتمبر 2025 10:58 مـ 29 ربيع أول 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

“الحوالات تنقذ اليمن الآن.. لكنها قد تدمره غدًا!” — خبير اقتصادي يكشف الخطر الخفي الذي يهدد 20% من الاقتصاد!

الإثنين 22 سبتمبر 2025 12:16 صـ 30 ربيع أول 1447 هـ
تعبيرية
تعبيرية

في تحليل اقتصادي موسّع وشامل، تناول الخبير الاقتصادي اليمني البارز فارس النجار، في منشور طويل نشره عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، واقع الاقتصاد اليمني الهش بعد توقف صادرات النفط والغاز منذ أكتوبر 2022، ودور الدعم السعودي في منع الانهيار المالي الكامل، محذرًا من أن هذا الدعم، رغم أهميته الحيوية، لا يمكن أن يكون بديلًا عن إصلاحات هيكلية وجذرية.

216.73.216.118

وأكد النجار أن توقف الصادرات النفطية — التي كانت تشكل أكثر من 70% من إيرادات الدولة وأكثر من 90% من حصيلة الصادرات — أدى إلى عجز مالي مزمن تجلى في تعثر الرواتب، وتقلص النفقات التشغيلية، وعجز الحكومة عن حماية المواطنين من تقلبات السوق. وأشار إلى أن الخسائر التراكمية حتى منتصف 2025 بلغت 7.5 مليار دولار، بمعدل خسارة سنوية تقارب ملياري دولار.

الحوالات الخارجية: شريان حياة هش

لفت النجار إلى أن الحوالات الخارجية من المغتربين اليمنيين أصبحت تشكل نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، و40-50% من إجمالي تدفقات النقد الأجنبي الداخلة للبلاد، والتي لا تتجاوز 8.5 مليارات دولار سنويًا. ورغم أهميتها في تمويل فاتورة الاستيراد الضخمة (11.5 - 14 مليار دولار سنويًا، منها 3 مليارات للمشتقات النفطية)، إلا أنه حذر من هشاشة هذا المصدر، لأنه خاضع لعوامل خارجية لا تتحكم بها الدولة.

ودعا إلى تحويل الهجرة إلى "رافعة اقتصادية" عبر سياسات نشطة لتصدير العمالة الماهرة، بحيث تصبح الحوالات أداة تنموية مستدامة، وليس مجرد شبكة أمان اجتماعي عرضية.

الدعم السعودي: متنفس غير تضخمي ومنقذ من الانهيار

سلط النجار الضوء على المنحة السعودية الأولى البالغة 1.2 مليار دولار في أغسطس 2023، والتي وُجهت لدعم الموازنة والرواتب والأمن الغذائي، وساهمت في تثبيت سعر الصرف ومنع انهيار الريال اليمني عبر تجنب الحلول الكارثية مثل "السحب على المكشوف" أو "الطباعة النقدية".

ووصف هذه المنحة بأنها لم تكن مجرد رقم مالي، بل "رسالة ثقة سياسية"، مشيرًا إلى أن صرفها الفوري أعطى الحكومة هامشًا للحركة في لحظة حرجة كانت على شفا الانهيار.

وفي سبتمبر 2025، أعلن البيان السعودي الجديد عن دعم إضافي بقيمة 1.38 مليار ريال سعودي (حوالي 368 مليون دولار)، موزعًا على ثلاثة محاور: دعم الموازنة، تمويل المشتقات النفطية، وتشغيل مستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن.

رأى النجار أن هذا الدعم لا يُقرأ فقط كمنحة مالية، بل كـ"إشارة سياسية واقتصادية" تؤكد استمرار الالتزام السعودي بمرافقة اليمن في مساره الإصلاحي، وربط الاستقرار اليمني بالأمن الإقليمي الأوسع. وقال: "الاستقرار الاقتصادي في اليمن يُترجم استقرارًا للمنطقة ككل."

المنح ليست حلًّا دائمًا.. بل "شبكات أمان مؤقتة"

شدد النجار على أن المنح، مهما كانت سخية، لا يمكن أن تبني مستقبلًا. فهي "تشتري وقتًا" و"توفر فرصًا"، لكنها لا تعالج الجذور الهيكلية للأزمة. وأشار إلى أن فجوة ميزان المدفوعات تجاوزت 4 مليارات دولار، وأن غياب الصادرات النفطية ضاعف الضغط على العملة الوطنية وقلص هامش المناورة لدى البنك المركزي.

وقال بصراحة: "أي استقرار حقيقي لا يمكن أن يُبنى على المنح وحدها."

الركائز الثلاث لبناء المستقبل: نفط، موازنة، إصلاح إداري

حدد النجار ثلاث ركائز أساسية لبناء مستقبل اقتصادي مستقر:

  1. استعادة الصادرات النفطية والغازية: ضمن ترتيبات أمنية ودبلوماسية تضمن حماية البنية التحتية وعودة الشركات العاملة في القطاع. واعتبر عائدات النفط "الركيزة التي تعيد التوازن الهيكلي للمالية العامة وميزان المدفوعات".

  2. إقرار موازنة عامة شفافة: وصف الموازنة بأنها "وثيقة سياسية واقتصادية" وليست مجرد ورقة محاسبة. وكشف أن تشكيل اللجنة العليا للموازنة لعام 2026 في يوليو 2025 هو خطوة أولى، لكن المطلوب الآن هو إنجازها بسرعة وتحويلها إلى إطار عمل حقيقي لإعادة الانضباط المالي والشفافية.

  3. إصلاح الإدارة المالية وإغلاق منافذ التسرب: دعا إلى أتمتة الأنظمة الضريبية والجمركية، وربط الفواتير إلكترونيًا، وتوحيد الإيرادات في حسابات البنك المركزي. وقال: "هذه ليست تفاصيل فنية، بل قضية سيادة مالية."

تحرير الدولار الجمركي: عدالة مالية وتعزيز للإيرادات

أشار النجار إلى أن استمرار فرض سعر جمركي منخفض على السلع الكمالية (كالسيارات الفارهة والأثاث) يعني أن الدولة تدعم غير المستحقين، بينما تعجز عن دفع رواتب موظفيها. ودعا إلى تحرير سعر الدولار الجمركي مع استثناء السلع الأساسية (الغذاء والدواء)، باعتبارها خطوة تعزز الإيرادات، وتقلص العجز، وتعيد توجيه الدعم لمستحقيه.

الإصلاح لن ينجح دون إرادة سياسية... والمعركة اقتصادية بجوهر سياسي

حذر النجار من أن كل الإصلاحات الاقتصادية ستظل "حبرًا على ورق" ما لم تتوقف "مراكز النفوذ" عن تعطيل القرارات خدمة لمصالحها الخاصة. وقال إن هذه المراكز تختبئ وراء شعارات سياسية ومناطقية لتبرير مقاومة الإصلاح، لكنها في الجوهر تحافظ على امتيازاتها على حساب الدولة والمجتمع.

وشدد على أن "المعركة الاقتصادية في اليمن ليست مسألة أرقام، بل هي في جوهرها معركة سيادة وطنية". وأكد أن نجاحها يتطلب إرادة سياسية تقف ضد التدخلات العبثية، وتعيد بناء المؤسسات على أسس الشفافية والكفاءة والمساءلة.

تحول في منطق الإدارة الاقتصادية خلال 2025

أشاد النجار بما وصفه بـ"تحول نوعي" في إدارة الملف الاقتصادي خلال عام 2025، حيث لم يعد الرهان على "معجزات مؤجلة"، بل على "تحسين اليوم الحالي بقرارات واقعية". وأشار إلى عودة المؤسسات السيادية إلى عدن بشكل منتظم، وانخفاض منسوب الارتجال في القرار الاقتصادي، وحصول البرنامج الإصلاحي على دعم إقليمي ودولي واضح.

وأوضح أن المنح السعودية والإماراتية لم تعد تُصرف في فراغ أو تتحول إلى وقود للهدر، بل أصبحت مرتبطة بمسار إصلاحي ملموس، مما يعزز ثقة الشركاء في قدرة الحكومة على استعادة زمام المبادرة.

الخلاصة: لا استقرار مالي دون سيادة مالية... ولا إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي

اختتم النجار منشوره برسالة واضحة وصادمة:

"العقدة الأكبر في السياسة أكثر منها في الاقتصاد. التوريد المنتظم للإيرادات إلى البنك المركزي ليس إجراءً إداريًا، بل اختبار لسيادة الدولة. لا يمكن أن تصمد المالية العامة بينما الحسابات تُدار خارج المنظومة الرسمية. ولا يمكن أن يُحافظ على قيمة العملة الوطنية بينما أدوات السياسة النقدية تُفرغ من مضمونها."

وختم قائلاً:

"الدعم الذي أعلنته الرياض في سبتمبر 2025 يمنح اليمن وقتًا ومساحة للحركة، لكنه لا يشتري المستقبل. المستقبل يُبنى باستعادة المورد السيادي، وبموازنة شفافة، وبإصلاح إداري رقمي، وبإرادة سياسية تضع المصلحة العامة فوق الحسابات الفئوية. عندها فقط تتحول المنح من مسكن مؤقت إلى جسر آمن نحو استقرار مالي ونقدي مستدام... يعزز ثقة المواطن أولًا، ثم ثقة الشركاء في أن اليمن قادر على النهوض متى ما امتلك القرار الوطني الحر والرؤية الاقتصادية الواضحة."

يأتي تحليل النجار في لحظة دقيقة يعيشها الاقتصاد اليمني، حيث يحاول المشهد الرسمي الاستفادة من الدعم الخارجي لخلق مساحة للإصلاح، بينما لا تزال التحديات السياسية والمؤسسية تهدد بنسف أي تقدم. كلماته ليست مجرد تشخيص، بل خارطة طريق واضحة — إذا توافرت الإرادة — لإنقاذ الاقتصاد من حافة الهاوية. والسؤال الأكبر يبقى: هل تملك النخبة السياسية اليمنية الشجاعة لتنفيذ هذه الإصلاحات، أم أن المصالح الضيقة ستظل حاجزًا أمام أي تغيير؟

موضوعات متعلقة