حين يصبح الجوع سلاحًا بيد الحوثي

لم يعد الجوع في اليمن مجرّد نتيجة لحرب طاحنة أو أزمة اقتصادية عابرة، بل تحوّل إلى سلاح خفي تمسك به مليشيا الحوثي لإخضاع الشعب وكتم أنفاسه والتحكم في كل تفصيلة من تفاصيل حياته اليومية.
منذ انقلابها المشؤوم عام 2014، مارست مليشيا الحوثي كل أشكال الانتهاكات لكنها سرعان ما أدركت أن السيطرة على الجوع أكثر فعالية من السيطرة على السلاح.
فمن يملك الخبز يملك القرار ومن يجوّع الناس يسكتهم، هكذا اختارت المليشيا تحويل لقمة العيش إلى أداة ضغط، وتحويل احتياجات الفقراء إلى وسيلة للسيطرة والتحكم.
في مناطق سيطرة الحوثي يعيش الملايين تحت خط الفقر المدقع، فالرواتب مقطوعة منذ سنوات والمساعدات تنهب وتوزع حسب الولاء لا الحاجة والضرائب تفرض على المعدمين والجبايات لا تتوقف حتى على من لا يملك شيئًا.
في الوقت نفسه، قيادات الحوثي تعيش حياة رفاهية بعيدة تمامًا عن معاناة الناس بين قصورهم وأسواقهم المغلقة، هناك يمن آخر لا يراه أحد: أمهات تبحث عن طعام لأطفالها، وآباء يبيعون أثاث بيوتهم ليشتروا كيس دقيق، وأطفال ينامون كل ليلة على بطون خاوية، والأسوأ من ذلك، أن أي شخص يعبر عن معاناته يعتبر عدوًا.
قصة مقتل المواطن "خالد عيسى حميدي" تجسّد هذا القمع الوحشي، فلم يكن خالد ناشطًا أو سياسيًا، كان رجلًا بسيطًا من محافظة الحديدة خرج في لحظة عجز وقال جملة واحدة: "أنا جائع".
لكن في مناطق سيطرة الحوثي، حتى الجوع لا يجوز قوله بصوت عالٍ فصرخته لم تلقَ تعاطفًا ولا استجابة، بل رصاصة صمتت بعدها معدته إلى الأبد، ومعها صمت كثيرون ممن لم يعودوا يجرؤون على قول الحقيقة.
جريمة مقتل خالد عيسى ليست حادثًا فرديًا، بل هي جزء من إرهاب يرى في الجوع أداة حكم، وفي الخوف وسيلة طاعة، وفي الإنسان مجرد رقم يُضاف إلى قائمة طويلة من الضحايا.
إن استخدام الجوع كسلاح ليس فقط جريمة أخلاقية، بل جريمة ضد الإنسانية وما يمارسه الحوثي بحق اليمنيين هو انتهاك متعمد لكرامة الإنسان وحقه في الحياة.