السبت 13 سبتمبر 2025 10:50 مـ 21 ربيع أول 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

”180 مليون ريال لدم واحد!” — حكم قبلي صادم ينهي نزاعًا دامياً بين عبيدة وخليفة في مأرب

الأحد 14 سبتمبر 2025 12:00 صـ 22 ربيع أول 1447 هـ
الحكم القبلي
الحكم القبلي

أصدر الشيخ عوض بن الوزير، أحد أبرز زعامات القبائل في منطقة شبوة، حكمًا قبليًا نهائيًا اليوم، يُنهي أزمة دموية اندلعت بين قبيلتي "عبيدة" و"خليفة"، بعد حادثة اعتداء مروع أسفر عن مقتل شاب من قبيلة خليفة وإصابة آخر، بالإضافة إلى نهب سيارته في منطقة "الحريقة" شمال مأرب.

216.73.216.105

وجاء هذا الحكم كخطوة حاسمة لإخماد نار الانتقام التي اشتعلت بين العشيرتين، بعدما ترتب على الحادثة توترات أمنية واجتماعية خطيرة، وأثارت مخاوف من تصعيد عشائري قد يهدد الاستقرار الهش في المحافظة، التي تعاني أصلاً من تداعيات الحرب المستمرة منذ سنوات.

وبحسب مصادر قبيلية موثوقة، فإن الحادثة وقعت قبل أسبوعين، عندما تعرض الشاب "حسين الهرش الخليفي" (24 عامًا) لاعتداء مسلح من قبل مجموعة مجهولة الهوية، أثناء سفره بسيارته الخاصة في طريق مأرب-الجوف. وقد تم اغتياله رميًا بالرصاص، ثم نُهبت سيارته، بينما أصيب صديقه "بن جلعوم الخليفي" بإصابات خطيرة، وتم نقله إلى مستشفى مأرب الوطني، حيث لا يزال تحت المراقبة الطبية.

وسرعان ما انتشر الخبر بين قبيلة خليفة، التي طالبت بالقصاص العشائري، فيما أبدت قبيلة عبيدة استعدادها للتعاون مع آلية الحلول القبلية التقليدية، ورفضت أي اتهامات مباشرة بارتكاب الجريمة، مشيرة إلى أن الجناة هم "متقطعون" غير مرتبطين بأي فصيل قبلي رسمي.

وفي ظل تفاقم التوتر، تدخل الشيخ عوض بن الوزير، الذي يتمتع بسمعة عالية في الوساطة والعدل بين القبائل، ودعا إلى اجتماع عشائري طارئ ضم كبار شيوخ القبيلتين، وعددًا من وجهاء المنطقة، في مقره بمركز "الساحل" بمأرب، وسط إجراءات أمنية مشددة.

وبعد أيام من المفاوضات المكثفة، أصدر الشيخ عوض حكمه القبلي النهائي، والذي جاء كالتالي:

  • دفع مبلغ إجمالي قدره 180 مليون ريال يمني كتعويض شامل لعائلة القتيل والمصاب ولصاحب السيارة المنهوبة.
  • توزيع المبلغ كالتالي:
    • 90 مليون ريال لعائلة القتيل "حسين الهرش الخليفي"، تشمل دية القتيل، وتعويضات نفسية ومادية لأسرته.
    • 70 مليون ريال لعائلة المصاب "بن جلعوم الخليفي"، تغطي تكاليف العلاج الطويلة، والتعويض عن الإعاقة الجزئية، ودعم الأسرة خلال فترة التعافي.
    • 20 مليون ريال كتعويض عن السيارة المنهوبة، والتي كانت من نوع "تويوتا لاند كروزر" موديل 2020، وتم تقييمها بحسب السوق المحلية.

كما نص الحكم على إخلاء سبيل جميع الموقوفين الذين تم اعتقالهم مؤقتًا من قبل السلطات المحلية، باستثناء من ثبتت إدانتهم قضائيًا، مع التأكيد على أن "الجريمة لم تكن عملًا قبليًا، بل جريمة جنائية ارتكبها متقطعون يستغلون الفراغ الأمني".

من جانبه، عبر أبناء قبيلة خليفة عن تقديرهم العميق للشيخ عوض بن الوزير، وقالوا في تصريح جماعي:

"الله يبارك في الشيخ، ويجعله سببًا في رفع الظلم، ويعيد لنا الأمان. هذا الحكم لم يُرضِ فقط، بل أعاد لنا الكرامة."

أما قبيلة عبيدة، فقد أعلنت عن دفع حصتها من المبلغ بشكل فوري، وقدمت اعتذارًا رسميًا باسم القبيلة عن الحادث، مؤكدًا أنها "لم تكن طرفًا فيه، لكنها تحمل مسؤولية حماية أراضيها وضمان أمن المسافرين".

وتشير التقديرات إلى أن هذا الحكم هو الأكبر من نوعه في مأرب منذ عام 2020، وهو ما يعكس تطورًا في آليات التسوية القبلية، حيث أصبحت تُراعي الأبعاد الاقتصادية والقانونية الحديثة، دون التخلي عن جوهر العرف والتقاليد.

وقد دعت منظمات حقوقية محلية إلى تعميم هذا النموذج كـ"نموذج وطني" للتسوية السلمية للنزاعات، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى وجود مؤسسات حكومية فعالة.

وفي ختام الحفل الرسمي لتسليم المبلغ — الذي جرى بحضور عدد كبير من المشايخ ورجال الدين ومسؤولين محليين — تم توزيع مبالغ صغيرة على العائلات المحتاجة من الطرفين، كرمز للصفح والتسامح، بينما أُطلق إطلاق ناري تعبيري في الهواء، تعبيرًا عن انتهاء الخلاف وبداية عهد جديد من التعايش.

يُعد الحكم القبلي في اليمن من أهم الآليات الاجتماعية لحل النزاعات، وغالبًا ما يكون أكثر فعالية من النظام القضائي الرسمي في المناطق النائية. وفي ظل انهيار الخدمات العامة، يعتمد أكثر من 70% من السكان على الحلول العشائرية، مما يجعل مثل هذه المبادرات حجر الأساس في الحفاظ على الاستقرار المجتمعي.

موضوعات متعلقة