”شبوة...اختطفوا امرأة مسنّة وابنها ثم عذبوهما حتى الموت بزعم السحر! ما الذي دفعهم لارتكاب هذا؟”

هزّت محافظة شبوة، أمس الخميس، صدمةٌ جماعيةٌ غير مسبوقة بعد ارتكاب جريمة نكراء تجاوزت حدود الوحشية، إذ أقدمت مجموعة مسلحة على اختطاف وتعذيب حتى الموت امرأة مسنّة (67 عامًا) وابنها (36 عامًا) في مديرية ميفعة، وسط مشهد يُعد من أبشع ما شهدته المنطقة منذ سنوات، ويُثير تساؤلات حادة حول انهيار القيم الإنسانية وتفشي ثقافة العنف والخرافة في ظل غياب الدولة.
216.73.216.105
ووصلت جثتا الضحيتين — وهما من سكان قرية الحوطة، التابعة لمديرية عزّان — إلى مستشفى عزّان الحكومي، مساء الأربعاء، مُغطّاتاً بالدماء والجروح، وعلى أجسادهما آثار تعذيب وحشيّة: كدمات متفرقة، وكسور في الأطراف، وعلامات ربط واضحة بالأيدي والأرجل، تدل على تعرضهما لساعات طويلة من التعذيب الجسدي والنفسي قبل لحظات موتهما. كما لوحظ وجود جروح عميقة في منطقة البطن والصدر، تشير إلى استخدام أدوات حادة، فيما كانا لا يزالان مُربوطَين بحبال عند العثور عليهما.
وقالت إدارة الشرطة العامة في شبوة، في بيان رسمي صدر الجمعة، إنها فتحت تحقيقًا جنائيًا شاملًا تحت إشراف النيابة العامة، مُؤكدة أن "الجريمة ليست مجرد جريمة قتل، بل هي جريمة ضد الإنسانية، تجمع بين الإجرام المنظم، والعنف الطائفي، واستغلال الخرافات لتصفية حسابات شخصية أو اجتماعية".
وأضاف البيان أن المجموعة المُجرمة، التي تتكوّن من عشرة مسلحين تتراوح أعمارهم بين 25 و50 عامًا، مُنتمون لمناطق ميفعة ورضوم، اقتحمت منزل الضحيتين ليل الثلاثاء، واعتقلتهم بقوة السلاح، ثم نقلتهم إلى مكان نائي، حيث استمر التعذيب لأكثر من 12 ساعة، بزعم اتهامهما بممارسة "السحر والشعوذة"، وهو اتهام لا أساس له من الصحة، لكنه يُستخدم غالبًا كذريعة لتصفية خصوم أو استهداف أفراد ضعفاء في المجتمعات النائية.
وأشارت المصادر الأمنية إلى أن أحد أفراد المجموعة، وهو رجل في الخمسينيات من عمره، ادّعى أنه "يملك قدرات روحية" وأنه "كشف السحر" عبر طقوس دينية مزيّفة، مُستغلًا جهل بعض أبناء المنطقة وتراجع التعليم وانهيار المؤسسات الأمنية والقضائية في المحافظة منذ سنوات.
وأكدت الشرطة أن التحقيق يركّز الآن على تحديد هويات جميع المشتبه بهم، ومعرفة مصدر الأسلحة المستخدمة، ودور أي أطراف خارجية أو محلية قد تكون وراء تمويل أو توجيه هذه الجريمة، مشيرة إلى أن "هذا النوع من الجرائم لا يمكن أن يحدث دون تواطؤ أو صمت مجتمعي، أو حتى دعم ضمني من عناصر تمارس السلطة المحلية بشكل غير قانوني".
الصدمة انتشرت كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تداول المئات صورًا للجثتين، ودعواتٍ عاجلة لمحاكمة الجناة بالإعدام، بينما ندّدت الجمعيات الحقوقية المحلية والوطنية بالجريمة، ووصفتها بأنها "نقطة تحوّل خطيرة نحو الفوضى الأخلاقية".
وقالت منظمة لحقوق الإنسان في شبوة في بيان:
"إنه ليس فقط قتلًا، بل هو إعدامٌ خارج القانون، يقوم على خرافة تُستخدم كسلاح لترويع المواطنين. هذا لا يُمكن أن يمرّ مرور الكرام، ولا يمكن لأي جهة أن تتجاهل أن مثل هذه الجرائم تُغذي الفوضى، وتُضعف أي أمل في بناء دولة القانون."
أما في الشارع، فقد اندلعت مظاهرات صغيرة في ميفعة وعزّان، طالب المتظاهرون فيها بإعادة السيطرة الأمنية، ومحاسبة المسؤولين عن تفكيك مؤسسات الشرطة في المنطقة، وتطبيق العدالة بسرعة قبل أن تتحول الجريمة إلى سابقة تُقلد.
وأعلنت وزارة الداخلية اليمنية، عبر متحدثها الرسمي، أن "الحكومة المعترف بها تضع هذه الجريمة في مقدمة أولوياتها، وستدعم الشرطة بكل الموارد اللازمة لكشف الحقيقة وتقديم الجناة للمحاكمة العادلة"، مُشددة على أن "الشرعية لا تقبل أبدًا أن تحل الخرافة محل القانون، أو أن تصبح العائلات أحكامًا ومحاكمًا".
وفي المقابل، دعا علماء الدين المحليون في شبوة، عبر بيان مشترك، إلى "تطهير العقول من أوهام السحر والشعوذة"، وأكدوا أن "الإسلام يحرم القتل تحت أي ذريعة، وأن الاتهام بالسحر دون دليل قاطع هو جريمة كبرى تُعادل الكذب على الله".
وتشير التقديرات الأولية إلى أن هذه الجريمة قد تكون الأولى من نوعها في شبوة منذ عقود، لكنها ليست الوحيدة في اليمن، حيث سُجّلت حالات مشابهة في محافظات أخرى، خصوصًا في المناطق النائية، حيث يسود الانفلات الأمني، وغياب التعليم، وتراجع دور المؤسسات الدينية والقانونية.
الآن، تنتظر شبوة إعلان اسماء الجناة، وتنفيذ العدالة، لا انتقامًا، بل لإعادة الثقة بين المواطن ودولته. فهل ستكون هذه الجريمة نقطة تحول أم مجرد مأساة تُنسى؟